للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد كَانَ فضلوا وأضلوا وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة بِالْكتاب ثمَّ بُرْهَة بِالسنةِ ثمَّ بُرْهَة بِالرَّأْيِ فَإِذا فعلوا ذَلِك ضلوا وَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء الدّين أعيتهم السّنة أَن يحفظوها فَقَالُوا برأيهم فضلوا وأضلوا

وَقَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إيَّاكُمْ وأرأيت وأرأيت فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ فِي أَرَأَيْت وأرأيت

وَقَالَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام من فسر الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ إِعْمَال الرَّأْي للْعَمَل بِهِ فِي الْأَحْكَام فَإِن إِعْمَال الرَّأْي للوقوف على معنى النَّص من حَيْثُ اللِّسَان فقه مُسْتَقِيم وَيكون الْعَمَل بِهِ عملا بِالنَّصِّ لَا بِالرَّأْيِ

وَبَيَان هَذَا فِيمَا اخْتلف فِيهِ ابْن عَبَّاس وَزيد رَضِي الله عَنْهُم فِي زوج وأبوين فَقَالَ ابْن عَبَّاس للْأُم ثلث جَمِيع المَال فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {فلأمه الثُّلُث} وَالْمَفْهُوم من إِطْلَاق هَذِه الْعبارَة ثلث جَمِيع المَال

وَقَالَ زيد للْأُم ثلث مَا بَقِي لِأَن فِي الْآيَة بَيَان أَن للْأُم ثلث مَا وَرثهُ الأبوان فَإِنَّهُ قَالَ {وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث} وميراث الْأَبَوَيْنِ هُوَ الْبَاقِي بعد نصيب الزَّوْج فللأم ثلث ذَلِك

هَذَا وَنَحْوه عمل بِالْكتاب لَا بِالرَّأْيِ فَيكون مُسْتَقِيمًا

وَمن حَيْثُ الْمَعْقُول يستدلون بأنواع من الْكَلَام أَحدهَا من حَيْثُ الدَّلِيل وَهُوَ أَن فِي الْقيَاس شُبْهَة فِي أَصله لِأَن الْوَصْف الَّذِي تعدى بِهِ الحكم غير مَنْصُوص عَلَيْهِ وَلَا هُوَ ثَابت بِإِشَارَة النَّص وَلَا بدلالته وَلَا بِمُقْتَضَاهُ فتعيينه من بَين سَائِر الْأَوْصَاف بِالرَّأْيِ لَا يَنْفَكّ عَن شُبْهَة وَالْحكم الثَّابِت بِهِ من إِيجَاب أَو إِسْقَاط أَو تَحْلِيل أَو تَحْرِيم مَحْض حق الله تَعَالَى وَلَا وَجه لإِثْبَات مَا هُوَ حق الله بطرِيق فِيهِ شُبْهَة لِأَن من لَهُ الْحق مَوْصُوف بِكَمَال الْقُدْرَة يتعالى عَن أَن ينتسب إِلَيْهِ الْعَجز أَو الْحَاجة إِلَى إِثْبَات حَقه بِمَا فِيهِ شُبْهَة وَلَا وَجه لإنكار هَذِه الشُّبْهَة فِيهِ فَإِن الْقيَاس لَا يُوجب الْعلم قطعا بالِاتِّفَاقِ وَكَانَ ذَلِك بِاعْتِبَار أَصله وعَلى هَذَا التَّقْرِير يكون هَذَا اسْتِدْلَالا بقوله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا الْحق}

<<  <  ج: ص:  >  >>