للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يدْخل على هَذَا أَخْبَار الْآحَاد فَإِن أَصله قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُوجب للْعلم قطعا وَإِنَّمَا تتمكن الشُّبْهَة فِي طَرِيق الِانْتِقَال إِلَيْنَا وَقد كَانَ قَول رَسُول الله حجَّة قبل الِانْتِقَال إِلَيْنَا بِهَذَا الطَّرِيق فلشبهة تتمكن فِي الطَّرِيق لَا يخرج الحَدِيث من أَن يكون حجَّة مُوجبَة للْعلم وَهُوَ كالنص المؤول فَإِن الشُّبْهَة تتمكن فِي تأويلنا فَلَا يخرج النَّص من أَن يكون حجَّة مُوجبَة للْعلم

وَمِنْهُم من قرر هَذَا الْكَلَام من وَجه آخر وَقَالَ تعْيين وصف فِي الْمَنْصُوص بِالرَّأْيِ لإضافة الحكم إِلَيْهِ يشبه قِيَاس إِبْلِيس لَعنه الله على مَا أخبر الله تَعَالَى عَنهُ {أأسجد لمن خلقت طينا} وَكَذَلِكَ التَّمْيِيز بَين هَذَا الْوَصْف وَسَائِر الْأَوْصَاف فِي إِثْبَات حكم الشَّرْع أَو التَّرْجِيح بِالرَّأْيِ يشبه مَا فعله إِبْلِيس كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَنهُ {خلقتني من نَار وخلقته من طين} فَلَا يشك أحد فِي أَن ذَلِك كَانَ بَاطِلا وَلم يكن حجَّة فَالْعَمَل بِالرَّأْيِ فِي أَحْكَام الشَّرْع لَا يكون عملا بِالْحجَّةِ أَيْضا

وَنَوع آخر من حَيْثُ الْمَدْلُول فَإِنَّهُ طَاعَة لله تَعَالَى وَلَا مدْخل للرأي فِي معرفَة مَا هُوَ طَاعَة لله وَلِهَذَا لَا يجوز إِثْبَات أصل الْعِبَادَة بِالرَّأْيِ وَهَذَا لِأَن الطَّاعَة فِي إِظْهَار الْعُبُودِيَّة والانقياد وَمَا كَانَ التَّعَبُّد مَبْنِيا على قَضِيَّة الرَّأْي بل طَرِيقه طَرِيق الِابْتِلَاء أَلا ترى أَن من المشروعات مَا لَا يسْتَدرك بِالرَّأْيِ (أصلا) كالمقادير فِي الْعُقُوبَات والعبادات وَمِنْه مَا هُوَ خلاف مَا يَقْتَضِيهِ الرَّأْي وَمَا هَذِه صفته فَإِنَّهُ لَا يُمكن مَعْرفَته بِالرَّأْيِ فَيكون الْعَمَل بِالرَّأْيِ فِيهِ عملا بالجهالة لَا بِالْعلمِ وَكَيف يُمكن إِعْمَال الرَّأْي فِيهِ والمشروعات متباينة فِي أَنْفسهَا يظْهر ذَلِك عِنْد التَّأَمُّل فِي جَمِيعهَا وَالْقِيَاس عبارَة عَن رد الشَّيْء إِلَى نَظِيره يُقَال قس النَّعْل بالنعل أَي احذه بِهِ

فَكيف يَتَأَتَّى هَذَا مَعَ التباين يُوضحهُ أَن الْعِلَل الَّتِي تعدى الحكم بهَا من الْمَنْصُوص عَلَيْهِ إِلَى غَيره مُتعَدِّدَة مُخْتَلفَة ولأجلها اخْتلف الْعلمَاء فِي طَرِيق التَّعْدِيَة وَمَا يكون بِهَذِهِ الصّفة فَإِنَّهُ يتَعَذَّر تعْيين وَاحِد مِنْهَا للْعَمَل إِلَّا بِمَا يُوجب الْعلم قطعا وَهُوَ النَّص وَلِهَذَا جَوَّزنَا الْعَمَل بِالْعِلَّةِ الْمَنْصُوص عَلَيْهَا كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْهِرَّة لَيست بنجسة إِنَّمَا هِيَ من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات فأثبتنا هَذَا الحكم فِي غَيرهَا من حشرات هُوَ الْعلَّة عينا فَيكون الْعَمَل بِهِ بَاطِلا

وَلَا يدْخل عَلَيْهِ الْأَخْبَار فَإِنَّهُ لَا اخْتِلَاف فِيهَا فِي الأَصْل لِأَنَّهُ كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بَينا أَنه قَالَ ذَلِك عَن وَحي وَقد علمنَا بِالنَّصِّ أَنه لَا اخْتِلَاف فِيمَا هُوَ من عِنْد الله قَالَ تَعَالَى {وَلَو} الْبَيْت لِأَن الْعلَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>