للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسكين لعلمه أَنه نَاقض للبنية فَعرفنَا أَن أصل ذَلِك محسوس فإعمال الرَّأْي فِيهِ للْعَمَل يكون فِي معنى الْعَمَل بِمَا لَا شُبْهَة فِي أَصله

ثمَّ فِي هَذِه الْمَوَاضِع الضَّرُورَة تتَحَقَّق إِلَى إِعْمَال الرَّأْي فَإِنَّهُ عِنْد الْإِعْرَاض عَنهُ لَا نجد طَرِيقا آخر وَهُوَ دَلِيل الْعَمَل بِهِ فلأجل الضَّرُورَة جَوَّزنَا بِهِ الْعَمَل بِالرَّأْيِ فِيهِ وَهنا الضَّرُورَة لَا تَدْعُو إِلَى ذَلِك لوُجُود دَلِيل فِي أَحْكَام الشَّرْع للْعَمَل بِهِ على وَجه يُغْنِيه عَن إِعْمَال الرَّأْي فِيهِ وَهُوَ اعْتِبَار الأَصْل الَّذِي قَررنَا

وَلَا يدْخل على شَيْء مِمَّا ذكرنَا إِعْمَال الرَّأْي والتفكر فِي أَحْوَال الْقُرُون الْمَاضِيَة وَمَا لحقهم من المثلات والكرامات لِأَن ذَلِك من حُقُوق الْعباد فالمقصود أَن يمتنعوا مِمَّا كَانَ مهْلكا لمن قبلهم حَتَّى لَا يهْلكُوا أَو أَن يباشروا مَا كَانَ سَببا لاسْتِحْقَاق الْكَرَامَة لمن قبلهم حَتَّى ينالوا مثل ذَلِك وَهُوَ فِي الأَصْل من حُقُوق الْعباد بِمَنْزِلَة الْأكل الَّذِي يكْتَسب بِهِ الْمَرْء سَبَب إبْقَاء نَفسه وإتيان الْإِنَاث فِي مَحل الْحَرْث بطريقه ليكتسب بِهِ سَبَب إبْقَاء النَّسْل

ثمَّ طَرِيق ذَلِك الِاعْتِبَار بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَاني اللِّسَان فَإِن أَصله الْخَبَر وَذَلِكَ مِمَّا يعلم بحاسة السّمع ثمَّ بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ يدْرك الْمَقْصُود وَلَيْسَ ذَلِك من حكم الشَّرِيعَة فِي شَيْء فقد كَانَ الْوُقُوف على مَعَاني اللُّغَة فِي الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ بَاقٍ الْيَوْم بَين الْكَفَرَة الَّذين لَا يعلمُونَ حكم الشَّرِيعَة

وعَلى هَذَا يخرج أَيْضا مَا أَمر بِهِ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام من المشورة مَعَ أَصْحَابه فَإِن المُرَاد أَمر الْحَرْب وَمَا هُوَ من حُقُوق الْعباد أَلا ترى أَن الْمَرْوِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه شاورهم فِي ذَلِك وَلم ينْقل أَنه شاورهم قطّ فِي حَقِيقَة مَا هم عَلَيْهِ وَلَا فِيمَا أَمرهم بِهِ من أَحْكَام الشَّرْع وَإِلَى هَذَا الْمَعْنى أَشَارَ بقوله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أتيتكم بِشَيْء من أَمر دينكُمْ فاعملوا بِهِ وَإِذا أتيتكم بِشَيْء من أَمر دنياكم فَأنْتم أعلم بِأَمْر دنياكم أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ

وَهَذَا بَيَان شبه الْخُصُوم فِي الْمَسْأَلَة

وَالْحجّة لجمهور الْعلمَاء دَلَائِل الْكتاب وَالسّنة والمعقول وَهِي كَثِيرَة جدا قد أورد أَكْثَرهَا المتقدمون من مَشَايِخنَا وَلَكنَّا نذْكر من كل نوع طرفا مِمَّا هُوَ أقوى فِي الِاعْتِمَاد عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>