للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمن دَلَائِل الْكتاب قَوْله تَعَالَى {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} حُكيَ عَن ثَعْلَب قَالَ الِاعْتِبَار فِي اللُّغَة هُوَ رد حكم الشَّيْء إِلَى نَظِيره وَمِنْه يُسمى الأَصْل الَّذِي يرد إِلَيْهِ النَّظَائِر عِبْرَة وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي الْأَبْصَار} وَالرجل يَقُول اعْتبرت هَذَا الثَّوْب بِهَذَا الثَّوْب أَي سويته بِهِ فِي التَّقْدِير وَهَذَا هُوَ حد الْقيَاس فَظهر أَنه مَأْمُور بِهِ بِهَذَا النَّص

وَقيل الِاعْتِبَار التَّبْيِين وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} أَي تبينون والتبيين الَّذِي يكون مُضَافا إِلَيْنَا هُوَ إِعْمَال الرَّأْي فِي معنى الْمَنْصُوص ليتبين بِهِ الحكم فِي نَظِيره

فَإِن قيل الِاعْتِبَار هُوَ التَّأَمُّل والتفكر فِيمَا أخبر الله تَعَالَى مِمَّا صنعه بالقرون الْمَاضِيَة

قُلْنَا هَذَا مثله وَلكنه غير مَأْمُور بِهِ لعَينه بل ليعتبر حَاله بحالهم فيزجروا عَمَّا استوجبوا بِهِ مَا استوجبوا من الْعقَاب إِذْ الْمَقْصُود من الِاعْتِبَار هُوَ أَن يتعظ بالعبرة وَمِنْه يُقَال السعيد من وعظ بِغَيْرِهِ

وَبَيَان مَا قُلْنَا فِي الْقصاص فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة} وَهُوَ فِي العيان ضد الْحَيَاة وَلَكِن فِيهِ حَيَاة بطرِيق الِاعْتِبَار فِي شَرعه واستبقائه أما الْحَيَاة فِي شَرعه وَهُوَ أَن من قصد قتل غَيره فَإِذا تفكر فِي نَفسه أَنه مَتى قَتله قتل بِهِ انزجر عَن قَتله فَتكون حَيَاة لَهما والحياة فِي استبقائه أَن الْقَاتِل عمدا يصير حَربًا لأولياء الْقَتِيل لخوفه على نَفسه مِنْهُم فَالظَّاهِر أَنه يقْصد قَتلهمْ ويستعين على ذَلِك بأمثاله من السُّفَهَاء ليزيل الْخَوْف عَن نَفسه فَإِذا استوفى الْوَلِيّ الْقصاص مِنْهُ انْدفع شَره عَنهُ وَعَن عشيرته فَيكون حَيَاة لَهُم من هَذَا الْوَجْه لِأَن إحْيَاء الْحَيّ فِي دفع سَبَب الْهَلَاك عَنهُ قَالَ تَعَالَى {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} وَإِذا تبين هَذَا الْمَعْنى فَنَقُول لَا فرق بَين حكم هُوَ هَلَاك فِي مَحل بِاعْتِبَار معنى هُوَ كفر وَبَين حكم هُوَ تَحْرِيم أَو تَحْلِيل فِي مَحل بِاعْتِبَار معنى هُوَ قدر وجنس فالتنصيص على الْأَمر بِالِاعْتِبَارِ فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ يكون تنصيصا على الْأَمر بِهِ فِي الْموضع الآخر

فَإِن قيل الْكفْر فِي كَونه عِلّة لما استوجبوه مَنْصُوص عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْقَتْل فِي كَونه عِلّة للْقصَاص وَنحن لَا ننكر هَذَا الِاعْتِبَار فِي الْعلَّة الَّتِي هِيَ منصوصة

<<  <  ج: ص:  >  >>