أَنه كَاتب فيجده غير كَاتب وَبِهَذَا تبين أَن مَا صرنا إِلَيْهِ هُوَ الِاعْتِبَار الْمَأْمُور بِهِ فَإِنَّهُ تَأمل فِي معنى النُّصُوص لإضافة الحكم إِلَى الْوَصْف الَّذِي هُوَ مُؤثر فِيهِ بِمَنْزِلَة إِضَافَة الْهَلَاك إِلَى الْكفْر الَّذِي هُوَ مُؤثر فِيهِ وَالرَّجم إِلَى الزِّنَا الَّذِي هُوَ مُؤثر فِيهِ وكل عَاقل يعرف أَن قوام أُمُوره بِمثل هَذَا الرَّأْي فالآدمي مَا سخر غَيره مِمَّن فِي الأَرْض إِلَّا بِهَذَا الرَّأْي وَمَا ظهر التَّفَاوُت بَينهم فِي الْأُمُور العاجلة إِلَّا بالتفاوت فِي هَذَا الرَّأْي فالمنكر لَهُ يكون مُتَعَنتًا
وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم} والاستنباط لَيْسَ إِلَّا اسْتِخْرَاج الْمَعْنى من الْمَنْصُوص بِالرَّأْيِ
وَقيل المُرَاد بأولي الْأَمر أُمَرَاء السَّرَايَا وَقيل المُرَاد الْعلمَاء وَهُوَ الْأَظْهر فَإِن أُمَرَاء السَّرَايَا إِنَّمَا يستنبطون بِالرَّأْيِ إِذا كَانُوا عُلَمَاء واستنباط الْمَعْنى من الْمَنْصُوص بِالرَّأْيِ إِمَّا أَن يكون مَطْلُوبا لتعدية حكمه إِلَى نَظَائِره وَهُوَ عين الْقيَاس أَو ليحصل بِهِ طمأنينة الْقلب وطمأنينة الْقلب إِنَّمَا تحصل بِالْوُقُوفِ على الْمَعْنى الَّذِي لأَجله ثَبت الحكم فِي الْمَنْصُوص وَهَذَا لِأَن الله تَعَالَى جعل هَذِه الشَّرِيعَة نورا وشرحا للصدور فَقَالَ {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه} وَالْقلب يرى الْغَائِب بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ كَمَا أَن الْعين ترى الْحَاضِر بِالنّظرِ إِلَيْهِ أَلا ترى أَن الله تَعَالَى قَالَ فِي بَيَان حَال من ترك التَّأَمُّل {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور} ثمَّ فِي رُؤْيَة الْعين لَا إِشْكَال أَنه يحصل بِهِ من الطُّمَأْنِينَة فَوق مَا يحصل بالْخبر وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة وَنحن نعلم أَن الضال عَن الطَّرِيق (الْعَادِل) يكون ضيق الصَّدْر فَإِذا أخبرهُ مخبر بِالطَّرِيقِ واعتقد الصدْق فِي خَبره يتَبَيَّن فِي صَدره بعض الانشراح وَإِنَّمَا يتم انْشِرَاح صَدره إِذا عاين أَعْلَام الطَّرِيق الْعَادِل فَكَذَلِك فِي رُؤْيَة الْقلب فَإِنَّهُ إِذا تَأمل فِي الْمَعْنى الْمَنْصُوص حَتَّى وقف عَلَيْهِ يتم بِهِ انْشِرَاح صَدره وتتحقق طمأنينة قلبه وَذَلِكَ بِالنورِ الَّذِي جعله الله فِي قلب كل مُسلم فالمنع من هَذَا التَّأَمُّل وَالْأَمر بِالْوُقُوفِ على مَوَاضِع النَّص من غير طلب الْمَعْنى فِيهِ يكون بقوله تَعَالَى {لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم} نوع حجر ورفعا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute