للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَشَارَ على أبي بكر أَن أثبت فِي مَكَانك وَرفع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَدَيْهِ وَحمد الله ثمَّ اسْتَأْخَرَ وَتقدم رَسُول الله وَكَانَت سنة الْإِمَامَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعْلُوما بِالنَّصِّ ثمَّ تقدم أَبُو بكر بِالرَّأْيِ وَقد أمره أَن يثبت فِي مَكَانَهُ نصا ثمَّ اسْتَأْخَرَ بِالرَّأْيِ

وَلما أَرَادَ رَسُول الله أَن يتَقَدَّم للصَّلَاة على ابْن أبي الْمُنَافِق جذب عمر رَضِي الله عَنهُ رِدَاءَهُ وَفِي رِوَايَة استقبله وَجعل يمنعهُ من الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَار لَهُ وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ بِالرَّأْيِ ثمَّ نزل الْقُرْآن على مُوَافقَة رَأْيه يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} وَلما أَرَادَ عَليّ أَن يكْتب كتاب الصُّلْح عَام الْحُدَيْبِيَة كتب هَذَا مَا صَالح مُحَمَّد رَسُول الله وَسُهيْل بن عَمْرو على أهل مَكَّة

قَالَ سُهَيْل لَو عرفناك رَسُولا مَا حاربناك اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَأمر رَسُول الله عليا أَن يمحو رَسُول الله فَأبى عَليّ رَضِي الله عَنهُ ذَلِك حَتَّى أمره أَن يرِيه مَوْضِعه فمحاه رَسُول الله بِيَدِهِ وَكَانَ هَذَا الإباء من عَليّ بِالرَّأْيِ فِي مُقَابلَة النَّص

وَقد كَانَ الحكم للمسبوق أَن يبْدَأ بِقَضَاء مَا سبق بِهِ ثمَّ يُتَابع الإِمَام حَتَّى جَاءَ معَاذ يَوْمًا وَقد سبقه رَسُول الله بِبَعْض الصَّلَاة فتابعه فِيمَا بَقِي ثمَّ قضى مَا فَاتَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله مَا حملك على مَا صنعت قَالَ وَجَدْتُك على شَيْء فَكرِهت أَن أخالفك عَلَيْهِ

فَقَالَ سنّ لكم معَاذ سنة حَسَنَة فاستنوا بهَا وَكَانَ هَذَا مِنْهُ عملا بِالرَّأْيِ فِي مَوضِع النَّص ثمَّ استصوبه رَسُول الله فِي ذَلِك

وَأَبُو ذَر حِين بَعثه رَسُول الله مَعَ إبل الصَّدَقَة إِلَى الْبَادِيَة أَصَابَته جَنَابَة فصلى صلوَات بِغَيْر طَهَارَة إِلَى أَن جَاءَ إِلَى رَسُول الله الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ لَهُ التُّرَاب كافيك وَلَو إِلَى عشر حجج مَا لم تَجِد المَاء وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ عملا بِالرَّأْيِ فِي مَوضِع النَّص

وَكَذَلِكَ عَمْرو بن الْعَاصِ أَصَابَته جَنَابَة فِي لَيْلَة بَارِدَة فَتَيَمم وَأم أَصْحَابه مَعَ وجود المَاء وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ عملا بِالرَّأْيِ فِي مَوضِع النَّص ثمَّ لم يُنكر عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فَعرفنَا أَنهم كَانُوا مخصوصين بذلك

وَكَذَلِكَ ظهر مِنْهُم الْفَتْوَى بِالرَّأْيِ فِيمَا لَا يعرف بِالرَّأْيِ من الْمَقَادِير نَحْو حد الشّرْب كَمَا قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ ثَبت بآرائنا

وَلَا وَجه لذَلِك إِلَى الْحمل على معنى الخصوصية

لَا بَيَان الْكَرَامَة لَهُم لِأَن كرامتهم إِنَّمَا تكون بِطَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله فالسعي لإِظْهَار مُخَالفَة مِنْهُم فِي أَمر الله وَأمر الرَّسُول يكون طَعنا فيهم وَمَعْلُوم أَن رَسُول الله مَا وَصفهم بِأَنَّهُم خير النَّاس إِلَّا بعد علمه بِأَنَّهُم أطوع النَّاس لَهُ وَأظْهر النَّاس انقيادا لأَمره وتعظيما لأحكام الشَّرْع وَلَو جَازَ إِثْبَات مُخَالفَة الْأَمر بِالرَّأْيِ لَهُم بطرِيق الْكَرَامَة والاختصاص بِنَاء على الْخَيْرِيَّة الَّتِي وَصفهم بهَا رَسُول الله لجَاز مثل ذَلِك لمن بعدهمْ بِنَاء على مَا وَصفهم الله بِهِ بقوله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس}

<<  <  ج: ص:  >  >>