للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يكون تقدما بَين يَدي الله وَرَسُوله بل هُوَ ائتمار بِأَمْر الله وَأمر رَسُوله وسلوك طَرِيق قد علم رَسُول الله أمته بِالْوُقُوفِ بِهِ على أَحْكَام الشَّرْع وَهَذَا لأَنا إِنَّمَا نثبت الحكم فِي الْفُرُوع بِالْعِلَّةِ المؤثرة وَالْعلَّة مَا صَارَت مُؤثرَة بآرائنا بل بِجعْل الله إِيَّاهَا مُؤثرَة وَإِنَّمَا إِعْمَال الرَّأْي فِي تَمْيِيز الْوَصْف الْمُؤثر من سَائِر أَوْصَاف الأَصْل وَإِظْهَار التَّأْثِير فِيهِ فَلَا يكون الْعَمَل فِيهِ عملا بِالرَّأْيِ إِنَّمَا التَّقَدُّم بَين يَدي الله وَرَسُوله فِيمَا ذهب إِلَيْهِ الْخصم من القَوْل بِأَن الْعَمَل بِالْقِيَاسِ بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يجد ذَلِك فِي كتاب الله نصا وَهُوَ لَا يجوز الاستنباط ليقف بِهِ على إِشَارَة النَّص فَيكون ذَلِك قولا بِغَيْر حجَّة ثمَّ يكون عَاملا فِي الْأَحْكَام بِلَا دَلِيل وَقد بَينا أَن هَذَا لَا يصلح أَن يكون حجَّة أَصْلِيَّة

وَأما قَوْله {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} فالمذكور هُوَ علم مُنكر فِي مَوضِع النَّفْي والنكرة فِي مَوضِع النَّفْي تعم فاستعمال الرَّأْي يثبت نوع علم من طَرِيق الظَّاهِر وَإِن كَانَ لَا يثبت علم الْيَقِين وبالاتفاق علم الْيَقِين لَيْسَ بِشَرْط لوُجُوب الْعَمَل وَلَا لجوازه فَإِن الْعَمَل بِخَبَر الْوَاحِد وَاجِب وَلَا يثبت بِهِ علم الْيَقِين وَالْعَمَل بِالرَّأْيِ فِي الْحَرْب جَائِز وَفِي بَاب الْقبْلَة عِنْد الِاشْتِبَاه وَاجِب وَفِي المعالجة بالأدوية جَائِز وَإِن كَانَ شَيْء من ذَلِك لَا يُوجب علم الْيَقِين وَهَذَا لِأَن التَّكْلِيف بِحَسب الوسع وَلَيْسَ فِي وسعنا تَحْصِيل علم الْيَقِين فِي حكم كل حَادِثَة والحرج مَدْفُوع فَفِي إِثْبَات الْحجر عَن إِعْمَال الرَّأْي فِي الْحَوَادِث الَّتِي لَا نَص فِيهَا من الْحَرج مَا لَا يخفى

ثمَّ لَا إِشْكَال أَن مَا يثبت من الْعلم بطرِيق الْقيَاس فَوق مَا يثبت باستصحاب الْحَال لِأَن اسْتِصْحَاب الْحَال إِنَّمَا يكون دَلِيلا عِنْدهم لعدم الدَّلِيل المغير وَذَلِكَ مِمَّا لَا يعلم يَقِينا قد يجوز أَن يكون الدَّلِيل المغير ثَابتا وَإِن لم يبلغ الْمُبْتَلى بِهِ وَلِهَذَا لَا تقبل الْبَيِّنَة على النَّفْي فِي بَاب الْخُصُومَات وَتقبل على الْإِثْبَات بِاعْتِبَار طَرِيق لَا يُوجب علم الْيَقِين فَإِن الشَّهَادَة بِالْملكِ لظَاهِر الْيَد أَو الْيَد مَعَ التَّصَرُّف تكون مَقْبُولَة وَإِن كَانَت لَا توجب علم الْيَقِين

فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا الْحق} قُلْنَا مَا يظْهر عِنْد اسْتِعْمَال الرَّأْي بِالْوَصْفِ الْمُؤثر حق فِي حَقنا وَإِن كُنَّا لَا نعلم أَنه هُوَ الْحق عِنْد الله تَعَالَى أَلا ترى أَن المتحري فِي بَاب الْقبْلَة يلْزمه التَّوَجُّه إِلَى الْجِهَة الَّتِي يسْتَقرّ عَلَيْهَا الرَّأْي وَمَعْلُوم أَنه لَا يلْزمه مُبَاشرَة مَا لَيْسَ بِحَق أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>