وَأما الثَّانِي فَلِأَن الِانْتِقَال من حكم إِلَى حكم إِنَّمَا يكون عِنْد مُوَافقَة الْخصم فِي الحكم الأول وَمَا كَانَ مَقْصُود الْمُعَلل إِلَّا طلب الْمُوَافقَة فِي ذَلِك الحكم فَإِذا وَافقه خَصمه فِيهِ فقد تمّ مَقْصُوده ثمَّ الِانْتِقَال بعده إِلَى حكم آخر ليثبته بِالْعِلَّةِ الأولى يدل على قُوَّة تِلْكَ الْعلَّة فِي إجرائها فِي المعلولات وعَلى حذاقة الْمُعَلل فِي إِثْبَات الحكم بِالْعِلَّةِ وَذَلِكَ نَحْو مَا إِذا عللنا فِي تَحْرِير الْمكَاتب عَن كَفَّارَة الْيَمين لِأَن الْكِتَابَة عقد مُعَاوضَة يحْتَمل الْفَسْخ فَلَا تخرج الرَّقَبَة من أَن تكون محلا للصرف إِلَى الْكَفَّارَة كَالْبيع فَإِذا قَالَ الْخصم عِنْدِي عقد الْكِتَابَة لَا يخرج الرَّقَبَة من الصلاحية لذَلِك وَلَكِن نُقْصَان الرّقّ هُوَ الَّذِي يخرج الرَّقَبَة من ذَلِك فَنَقُول بِهَذِهِ الْعلَّة يجب أَن لَا يتَمَكَّن نُقْصَان فِي الرّقّ لِأَن مَا يُمكن نُقْصَانا فِي الرّقّ لَا يكون فِيهِ احْتِمَال الْفَسْخ فَهَذَا إِثْبَات الحكم الثَّانِي بِالْعِلَّةِ الأولى أَيْضا وَهُوَ نِهَايَة فِي الحذاقة
وَكَذَلِكَ إِن تعذر إِثْبَات الحكم الثَّانِي بِالْعِلَّةِ الأولى فَأَرَادَ إثْبَاته بِالْعِلَّةِ بعلة أُخْرَى لِأَنَّهُ مَا ضمن بتعليله إِثْبَات جَمِيع الْأَحْكَام بِالْعِلَّةِ الأولى وَإِنَّمَا ضمن إِثْبَات الحكم الَّذِي زعم أَن خَصمه ينازعه فِيهِ فَإِذا أظهر الْخصم الْمُوَافقَة فِيهِ وَاحْتَاجَ إِلَى إِثْبَات حكم آخر يكون لَهُ أَن يثبت ذَلِك بعلة أُخْرَى وَلَا يكون هَذَا انْقِطَاعًا مِنْهُ
فَأَما الْوَجْه الرَّابِع وَهُوَ الِانْتِقَال من عِلّة إِلَى عِلّة أُخْرَى لإِثْبَات الحكم الأول فَمن أهل النّظر من صحّح ذَلِك أَيْضا وَلم يَجعله انْقِطَاعًا اسْتِدْلَالا بِقصَّة الْخَلِيل عَلَيْهِ السَّلَام حِين حَاج اللعين بقوله تَعَالَى {رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت} فَلَمَّا قَالَ اللعين {أَنا أحيي وأميت} حاجه بقوله تَعَالَى {فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب} وَكَانَ ذَلِك (مِنْهُ)