للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انتقالا من حجَّة إِلَى حجَّة لإِثْبَات شَيْء وَاحِد وَقد ذكر الله تَعَالَى ذَلِك عَنهُ على وَجه الْمَدْح لَهُ بِهِ فَعرفنَا أَنه مُسْتَقِيم

وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي إِذا أَقَامَ شَاهِدين فعورض بِجرح فيهمَا كَانَ لَهُ أَن يُقيم شَاهِدين آخَرين لإِثْبَات حَقه

وَالْمذهب الصَّحِيح عِنْد عَامَّة الْفُقَهَاء أَن هَذَا النَّوْع من الِانْقِطَاع لِأَنَّهُ رام إِثْبَات الحكم بِالْعِلَّةِ الأولى فانتقاله عَنْهَا إِلَى عِلّة أُخْرَى قبل أَن يثبت الحكم بِالْعِلَّةِ الأولى لَا يكون إِلَّا لعجز عَن إثْبَاته بِالْعِلَّةِ الأولى وَهَذَا انْقِطَاع على مَا نبينه فِي فَصله

ثمَّ مجَالِس النّظر للإبانة فَلَو جَوَّزنَا الِانْتِقَال فِيهَا من عِلّة إِلَى عِلّة أدّى ذَلِك إِلَى أَن يَتَطَاوَل الْمجْلس وَلَا يحصل مَا هُوَ الْمَقْصُود وَهُوَ الْإِبَانَة وَكَانَ هَذَا نَظِير نقض يتَوَجَّه على الْعلَّة فَإِنَّهُ لَا يشْتَغل بالاحتراز عَنهُ وَلَكِن إِذا تعذر دَفعه بِمَا ذكره الْمُعَلل فِي الِابْتِدَاء يظْهر بِهِ انْقِطَاعه فِي ذَلِك الْمجْلس فَهَذَا مثله

فَأَما قصَّة الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَهُوَ مَا انْتقل قبل ظُهُور الْحجَّة الأولى لَهُ وَلَكِن الأولى كَانَت حجَّة ظَاهِرَة لم يطعن خَصمه فِيهَا إِنَّمَا ادّعى دَعْوَى مُبتَدأَة بقوله {أَنا أحيي وأميت} وكل مَا صنعه مَعْلُوم الْفساد عِنْد المتأملين إِلَّا أَنه كَانَ فِي الْقَوْم من يتبع الظَّاهِر وَلَا يتَأَمَّل فِي حَقِيقَة الْمَعْنى فخاف الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الِاشْتِبَاه على أمثالهم فضم إِلَى الْحجَّة الأولى حجَّة ظَاهِرَة لَا يكَاد يَقع فِيهَا الِاشْتِبَاه فبهت الَّذِي كفر

وَهَذَا مستحسن فِي طَرِيق النّظر لَا يشك فِيهِ فَإِن الْمُعَلل إِذا أثبت علته يَقُول وَالَّذِي يُوضح مَا ذكرت

فَيَأْتِي بِكَلَام آخر هُوَ أوضح من الأول فِي إِثْبَات مَا رام إثْبَاته وَهَذَا لِأَن حجج الشَّرْع أنوار فضم حجَّة إِلَى حجَّة كضم سراج إِلَى سراج وَذَلِكَ لَا يكون دَلِيلا على ضعف أَحدهمَا أَو بطلَان أَثَره فَكَذَلِك ضم حجَّة إِلَى حجَّة وَإِنَّمَا جعلنَا هَذَا انْقِطَاعًا فِي مَوضِع يكون الِانْتِقَال للعجز عَن إِثْبَات الحكم بِالْعِلَّةِ الأولى

ثمَّ كل هَذِه التَّصَرُّفَات للمجيب لَا للسَّائِل فَإِن الْمُجيب بَان والسائل هَادِم مَانع وَالْحَاجة إِلَى هَذِه الِانْتِقَالَات للباني الْمُثبت لَا للمانع الدَّافِع

على مَا أخبر الله بِهِ عَن اللعين عِنْد إِظْهَار الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّته بقوله {فبهت الَّذِي كفر}

<<  <  ج: ص:  >  >>