للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا القَوْل أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ ادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن هم أجابوك فأعلمهم أَن الله تَعَالَى فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة الحَدِيث فَفِي هَذَا تنصيص على أَن وجوب أَدَاء الشَّرَائِع يَتَرَتَّب على الْإِجَابَة إِلَى مَا دعوا إِلَيْهِ من أصل الدّين وَالدَّلِيل على ذَلِك من طَرِيق الْمَعْنى أَن الْأَمر بأَدَاء الْعِبَادَة لينال بِهِ الْمُؤَدِّي الثَّوَاب فِي الْآخِرَة حكما من الله تَعَالَى (كَمَا وعده فِي مُحكم تَنْزِيله وَالْكَافِر لَيْسَ بِأَهْل لثواب الْعِبَادَة عُقُوبَة لَهُ على كفره حكما من الله تَعَالَى) كَمَا أَن العَبْد لَا يكون أَهلا لملك المَال حكما من الله تَعَالَى وَالْمَرْأَة لَا تكون أَهلا لثُبُوت ملك الْمُتْعَة لَهَا على الرجل بِسَبَب النِّكَاح أَو بِسَبَب ملك الرَّقَبَة حكما من الله تَعَالَى وَإِذا تحقق انعدام الْأَهْلِيَّة للْكَافِرِ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوب بِالْأَدَاءِ يظْهر بِهِ انعدام الْأَهْلِيَّة للْأَدَاء وَبِدُون الْأَهْلِيَّة لَا يثبت وجوب الْأَدَاء وَبِه فَارق الْخطاب بِالْإِيمَان فَإِنَّهُ بِالْأَدَاءِ يصير أَهلا لما وعد الله الْمُؤمنِينَ فبه تبين الْأَهْلِيَّة للْأَدَاء أَيْضا

فَإِن قيل هُوَ بِالْإِيمَان يصير أَهلا لما هُوَ مَوْعُود على أَدَاء الْعِبَادَات وَهُوَ مطَالب بِالْإِيمَان فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل فِي حكم توجه الْخطاب بِالْأَدَاءِ عَلَيْهِ كَأَن مَا هُوَ مطَالب بِهِ بِالْإِيمَان مَوْجُود فِي حَقه كَمَا جعل النُّطْفَة فِي الرَّحِم كالحي حكما فِي حق الْإِرْث وَالْوَصِيَّة وَالْإِعْتَاق وَيجْعَل الْبيض كالصيد حكما فِي وجوب الْجَزَاء على الْمحرم بكسره وَإِن لم يكن فِيهَا معنى الصيدية حَقِيقَة

قُلْنَا هَذَا أَن لَو كَانَ مآل أمره الْإِيمَان بِاعْتِبَار الظَّاهِر كالبيض والنطفة فمآلهما إِلَى الْحَيَاة والصيدية مَا لم يفسدا ومآل أَمر الْكَافِر لَيْسَ للْإيمَان ظَاهرا بل الظَّاهِر من حَال كل معتقداته يستديم اعْتِقَاده ثمَّ هَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا يَسْتَقِيم اعْتِبَاره إِذا كَانَ عِنْد إيمَانه يَتَقَرَّر وجوب الْأَدَاء فِيمَا يَتَقَرَّر سَببه فِي حَال الْكفْر فَيُقَال يُخَاطب بِالْأَدَاءِ على أَن يسلم فيتقرر وجوب الْأَدَاء كَمَا فِي النُّطْفَة وَالْبيض فَإِن حكم الْعتْق وَالْملك والصيدية يَتَقَرَّر إِذا تحقق صفة الْحَيَاة فيهمَا وَهَهُنَا يَنْعَدِم بالِاتِّفَاقِ فَإِنَّهُ بعد الْإِيمَان لَا يبْقى وجوب الْأَدَاء فِي شَيْء مِمَّا سبق فِي حَالَة الْكفْر

فَإِن قيل أَلَيْسَ أَن العَبْد من أهل مُبَاشرَة التَّصَرُّف الْمُوجب لملك المَال وَإِن لم يكن أَهلا لملك المَال فَكَذَلِك يجوز أَن يكون الْكَافِر يُخَاطب بأَدَاء الْعِبَادَات وَإِن لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>