للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهلا لما هُوَ الْمَقْصُود بالآداء

قُلْنَا صِحَة ذَلِك التَّصَرُّف من الْمَمْلُوك على أَن يخلفه الْمولى فِي حكمه أَو على أَن يَتَقَرَّر الحكم لَهُ إِذا أعتق كَالْمكَاتبِ فَأَما هُنَا لَا تثبت أَهْلِيَّة الْأَدَاء فِي حَقه على أَن يخلفه غَيره فِيمَا هُوَ المبتغي بِالْأَدَاءِ أَو على أَن يَتَقَرَّر ذَلِك لَهُ بعد إيمَانه وَهَذَا بِخِلَاف الْجنب والمحدث فِي الْخطاب بأَدَاء الصَّلَاة لِأَن الْأَهْلِيَّة لما هُوَ مَوْعُود للمصلين لَا يَنْعَدِم بالجنابة وَالْحَدَث وَلَكِن الطَّهَارَة شَرط الْأَدَاء وبانعدام الشَّرْط لَا تنعدم الْأَهْلِيَّة لأَدَاء الأَصْل وَمَا هَذَا إِلَّا نَظِير من يَقُول لغيره أعتق عَبدك عني على ألف دِرْهَم فَأعْتقهُ يَصح إِعْتَاقه عَن الْآمِر بِاعْتِبَار أَن الْملك فِي الْمحل شَرط الْإِعْتَاق فانعدامه عِنْد الْأَمر لَا يمْنَع صِحَة الْأَمر على أَن يكون مُوجبا للْحكم لَهُ إِذا وجد الشَّرْط عِنْد إِيجَاد الْعتْق

وَلَو قَالَ الْمولى لعَبْدِهِ أعتق عَن نَفسك عبدا فَأعتق لم يَصح هَذَا الْأَمر وَلم يكن الْإِعْتَاق عَن العَبْد لِأَنَّهُ بِصفة الرّقّ يخرج من أَن يكون أَهلا للإعتاق عَن نَفسه فَلَا يَصح أمره إِيَّاه بِالْإِعْتَاقِ عَن نَفسه مَعَ انعدام الْأَهْلِيَّة وَتبين بِهَذَا أَن سُقُوط الْخطاب بِالْأَدَاءِ عَنْهُم لَيْسَ للتَّخْفِيف عَلَيْهِم كَمَا ظنُّوا بل لتحَقّق معنى الْعقُوبَة والنقمة فِي حَقهم فَإِن الْإِخْرَاج من الْأَهْلِيَّة لثواب الْعِبَادَة يكون نقمة يُوضحهُ أَن الْأَمر لطلب أَدَاء الْعِبَادَة وَهُوَ مَعَ صفة الْكفْر لَا يكون أَهلا لِلْعِبَادَةِ بل يحبط عمله كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} وَمَعْلُوم أَن فِي الْعِبَادَة الْمَنْفَعَة للمؤدي الْمَأْمُور لَا للْآمِر قَالَ الله تَعَالَى {وَمن عمل صَالحا فلأنفسهم يمهدون} وَالْكَافِر لَا يسْتَحق هَذَا النّظر وَالْمَنْفَعَة عُقُوبَة لَهُ على كفره فَكيف يكون فِيهِ معنى التَّخْفِيف عَلَيْهِ والإيجاب من الْآمِر نظر من الشَّرْع للْمَأْمُور فَعَسَى أَن يقصر فِيمَا لَا يكون وَاجِبا عَلَيْهِ وَلَا يقصر فِي أَدَاء مَا هُوَ وَاجِب عَلَيْهِ وَالْكَافِر غير مُسْتَحقّ لهَذَا النّظر فقولنا وجوب الْأَدَاء لَا يتَنَاوَلهُ يكون تَغْلِيظًا عَلَيْهِ لَا تَخْفِيفًا وَلِهَذَا أثبتنا حكم وجوب الْأَدَاء فِيمَا يرجع إِلَى الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة فِي حَقه ثمَّ هُوَ بإصراره على الْكفْر متْلف نَفسه حكما فِيمَا يرجع إِلَى مَا هُوَ الْمَقْصُود بالعبادات فَيكون بِمَنْزِلَة من قتل نَفسه حَقِيقَة وَلَا يَجْعَل قَاتل النَّفس حَقِيقَة كالحي حكما فِي توجه الْخطاب عَلَيْهِ بأَدَاء الْعِبَادَات لَا للتَّخْفِيف عَلَيْهِ فَكَذَلِك الْكَافِر لَا يَجْعَل مُتَمَكنًا من الْأَدَاء حكما مَعَ إصراره على الْكفْر لَا بطرِيق التَّخْفِيف عَلَيْهِ وَلَكِن تجْعَل ذمَّته كالمعدومة حكما فِي الصلاحية لوُجُوب أَدَاء الْعِبَادَات فِيهَا تَحْقِيقا لِمَعْنى الهوان فِي حَقهم الله تَعَالَى قَالَ {إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} ثمَّ الْخطاب وَهُوَ أَن يلحقهم بالبهائم الَّتِي لَا ذمَّة لَهَا فِي هَذَا الحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>