للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا وَصفهم بأَدَاء الْعِبَادَات ليسعى الْمَرْء بأدائها فِي فكاك نَفسه قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام النَّاس غاديان بَائِع نَفسه فموبقها ومشتر نَفسه فمعتقها يَعْنِي بالائتمار بالأوامر وَالْقَوْل بِأَن الْكَافِر لَيْسَ بِأَهْل للسعي فِي فكاك نَفسه مَا لم يُؤمن لَا يكون تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَهُوَ نَظِير أَدَاء بدل الْكِتَابَة لما كَانَ ليتوصل بِهِ الْمكَاتب إِلَى فكاك نَفسه فإسقاط الْمولى هَذِه الْمُطَالبَة عَنهُ عِنْد عَجزه بِالرَّدِّ فِي الرّقّ لَا يكون تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِن مَا بَقِي فِيهِ من ذل الرّقّ فَوق ضَرَر الْمُطَالبَة بِالْأَدَاءِ

وَإِنَّمَا استنبطنا هَذَا من تَعْلِيل مُحَمَّد رَحمَه الله فِي قَوْله مَا فِيهِ من الشّرك أعظم من ذَلِك علل بِهِ فِي أَنه لَا يلْزمه كَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الْيَمين وَإِن حنث وَفِي الْكَفَّارَات معنى الْعِبَادَة على مَا بَينا أَنه ينَال بِهِ الثَّوَاب فَيكون مكفرا للذنب وَالْكَافِر لَيْسَ بِأَهْل لذَلِك فَلَا يثبت فِي حَقه الْخطاب بأَدَاء الْكَفَّارَة كَمَا لَا يثبت فِي حق العَبْد الْخطاب بالتكفير بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْل لذَلِك

وَنَظِير مَا قُلْنَا من الحسيات أَن مُطَالبَة الطَّبِيب الْمَرِيض بِشرب الدَّوَاء إِذا كَانَ يَرْجُو لَهُ الشِّفَاء يكون نظرا من الطَّبِيب لَا إِضْرَارًا بِهِ فَإِذا أيس من شفائه فَترك مُطَالبَته بِشرب الدَّوَاء لَا يكون ذَلِك تَخْفِيفًا عَلَيْهِ بل إجبارا لَهُ بِمَا هُوَ أَشد عَلَيْهِ من ضَرَر شرب الدَّوَاء وَهُوَ مَا يَذُوق من كأس الْحمام فَكَذَلِك هُنَا أَن الْكفَّار لَا يخاطبون بأَدَاء الشَّرَائِع لَا يتَضَمَّن معنى التَّخْفِيف عَلَيْهِم بل يكون فِيهِ بَيَان عظم الْوزر والعقوبة فِيمَا هُوَ مصر عَلَيْهِ من الشّرك وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب النَّهْي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم بِأَن مُوجب النَّهْي شرعا لُزُوم الِانْتِهَاء عَن مُبَاشرَة الْمنْهِي عَنهُ لِأَنَّهُ ضد الْأَمر

أما من حَيْثُ اللُّغَة فصيغة الْأَمر لبَيَان أَن الْمَأْمُور بِهِ مِمَّا يَنْبَغِي أَن يكون وَصِيغَة النَّهْي لبَيَان أَنه مِمَّا يَنْبَغِي أَن لَا يكون وَأما شرعا فَالْأَمْر لطلب إِيجَاد الْمَأْمُور بِهِ على أبلغ الْوُجُوه مَعَ بَقَاء اخْتِيَار الْمُخَاطب فِي حَقِيقَة الإيجاد وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>