للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وصفين مؤثرين فِي الْعتْق نَحْو مَا بَينا فِي الْقَرَابَة الْمُحرمَة للنِّكَاح مَعَ الْملك فَإِنَّهُمَا وصفان مؤثران فِي الْعتْق ثمَّ آخرهما وجودا يكون عِلّة معنى وَحكما وَالْمرَاد بِالْمَعْنَى كَونه مؤثرا فِيهِ وبالحكم أَنه يثبت الحكم عِنْده وَهَذَا لِأَن الْوَصْف الثَّانِي مَعَ الأول اسْتَويَا فِي الْوُجُوب بهما وترجح الثَّانِي بالوجود عِنْده فَكَانَ عِلّة معنى وَحكما لَا اسْما فَإِن الحكم مُضَاف إِلَى الوصفين جَمِيعًا فَمن حَيْثُ الِاسْم الْوَصْف الثَّانِي شطر الْعلَّة

وعَلى هَذَا قُلْنَا أحد وصفي عِلّة الرِّبَا يحرم النسأ بِانْفِرَادِهِ لِأَن كل وَاحِد من الوصفين عِلّة معنى وَحكما إِذا تَأَخّر وجوده عَن الْوَصْف الآخر وَحُرْمَة النسأ مَبْنِيّ على الِاحْتِيَاط وَهُوَ أسْرع ثبوتا من حُرْمَة الْفضل لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إِذا اخْتلف النوعان فبيعوا كَيفَ شِئْتُم بعد أَن يكون يدا بيد فَجعل ثَابتا بِوُجُود أحد الوصفين

وَلَا يدْخل على هَذَا حكم الشَّهَادَة فَإِن شَهَادَة الشَّاهِد الثَّانِي بعد الأول لَا تجْعَل عِلّة للاستحقاق معنى وَحكما وَإِن كَانَ اسْتِحْقَاق الحكم عِنْده يكون لِأَن هُنَاكَ الِاسْتِحْقَاق لَا يثبت بِالشَّهَادَةِ بل بِقَضَاء القَاضِي وَقَضَاء القَاضِي يكون بِشَهَادَة الشَّاهِدين جَمِيعًا فَلَا يتَصَوَّر فِيهِ كَون أَحدهمَا سَابِقًا وَالْآخر متمما لعِلَّة الِاسْتِحْقَاق

فَأَما الْعلَّة اسْما وَحكما لَا معنى فَهُوَ السّفر وَالْمَرَض فِي ثُبُوت الرُّخص بهما فَإِنَّهَا فِي الشَّرِيعَة مُضَافَة إِلَى السّفر وَالْمَرَض فَعرفنَا أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا عِلّة اسْما وَكَذَلِكَ من حَيْثُ الحكم فَحكم جَوَاز التَّرَخُّص بِالْفطرِ وَنَحْوه يثبت عِنْد وجود السّفر وَالْمَرَض فَأَما الْمَعْنى الْمُؤثر فِي هَذِه الرُّخْصَة فَهُوَ الْمَشَقَّة الَّتِي تلْحقهُ بِالصَّوْمِ دون السّفر وَالْمَرَض لما بَينا أَن الْمَعْنى مَا يكون مؤثرا فِي الحكم وَذَلِكَ الْمَشَقَّة وَإِلَيْهِ أَشَارَ الله تَعَالَى فِي قَوْله {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} إِلَّا أَن الْمَشَقَّة بَاطِن تَتَفَاوَت أَحْوَال النَّاس فِيهِ وَلَا يُمكن الْوُقُوف على حَقِيقَته فَأَقَامَ الشَّرْع السّفر بِصفة مَخْصُوصَة مقَام تِلْكَ الْمَشَقَّة لكَونه دَالا عَلَيْهَا غَالِبا وَكَذَلِكَ أَقَامَ الْمَرَض بِوَصْف مَخْصُوص مقَام تِلْكَ الْمَشَقَّة فَعرفنَا أَنه عِلّة اسْما وَحكما لَا معنى وَلِهَذَا لَو أصبح مُقيما صَائِما ثمَّ سَافر فَأفْطر لم تلْزمهُ الْكَفَّارَة لوُجُود عِلّة الْإِسْقَاط اسْما وَإِن انْعَدم

<<  <  ج: ص:  >  >>