للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِن الْإِحْرَام مَشْرُوع على أَنه لَا يخرج مِنْهُ الْمَرْء بَعْدَمَا شرع فِيهِ إِلَّا بِالطَّرِيقِ الَّذِي عينه الشَّرْع لِلْخُرُوجِ مِنْهُ وَهُوَ أَدَاء الْأَعْمَال أَو الدَّم عِنْد الْإِحْصَار فَيلْزمهُ أَدَاء الْأَعْمَال ليكتسب بِهِ طَرِيق الْخُرُوج من الْإِحْرَام شرعا وَذَلِكَ مَشْرُوع فَيجوز أَن يلْزمه أَدَاء الْأَعْمَال أَيْضا

وَكَذَلِكَ لَو جَامعهَا بَعْدَمَا أحرم فَإِنَّهُ لَا يخرج إِلَّا بأَدَاء الْأَعْمَال لهَذَا الْمَعْنى وَلِأَن الْجِمَاع فِي الْإِحْرَام مَحْظُور شرعا فَيجوز أَن يُقَال مَا يلْزمه من أَدَاء الْأَعْمَال بعده على وَجه لَا يكون معتدا بِهِ فِي إِسْقَاط الْوَاجِب عَنهُ جَزَاء على ارْتِكَاب مَا هُوَ مَحْظُور وكلامنا فِيمَا هُوَ مَشْرُوع ابْتِدَاء لَا جَزَاء وَقبل الْجِمَاع لزمَه أَدَاء الْأَعْمَال بِسَبَب مَشْرُوع وَلَيْسَ إِلَى العَبْد ولَايَة تَغْيِير الْمَشْرُوع وَإِن كَانَ الْأَدَاء يفْسد بِفعل مِنْهُ كَمَا تفْسد الصَّلَاة بالتكلم فِيهَا وَلَا يتَغَيَّر بِهِ الْمَشْرُوع وَإِذا لم يصلح فعله مغيرا بَقِي طَرِيق الْخُرُوج بأَدَاء الْأَفْعَال مَشْرُوعا كَمَا كَانَ قبل الْجِمَاع وللشرع ولَايَة نفي الْمَشْرُوع وإخراجه من أَن يكون مَشْرُوعا كَمَا لَهُ ولَايَة الشَّرْع بِمُطلق نَهْيه الَّذِي هُوَ دَلِيل الْقبْح فِي الْمنْهِي عَنهُ فصلح أَن يكون مخرجا للمنهي عَنهُ من أَن يكون مَشْرُوعا فَلهَذَا لم يبْق مَشْرُوعا بعد النَّهْي

وَحجَّتنَا مَا ذكره مُحَمَّد رَحمَه الله فِي كتاب الطَّلَاق فَإِنَّهُ قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم يَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق فنهانا عَمَّا يتكون وَعَما لَا يتكون وَالنَّهْي عَمَّا لَا يتكون لَغْو حَتَّى لَا يَسْتَقِيم أَن يُقَال للأعمى لَا تبصر وللآدمي لَا تطر وَمَعْلُوم أَنه إِنَّمَا نهى عَن صَوْم شَرْعِي فالإمساك الَّذِي يُسمى صوما لُغَة غير مَنْهِيّ عَنهُ وَمن أَتَى بِهِ لحمية أَو مرض أَو قلَّة اشتهاء لَا يكون مرتكبا للمنهي عَنهُ فَهَذَا دَلِيل على أَن الصَّوْم الَّذِي هُوَ عبَادَة مَشْرُوع فِي الْوَقْت بعد النَّهْي كَمَا كَانَ قبله

وَتَقْرِير هَذَا الْكَلَام من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن مُوجب النَّهْي هُوَ الِانْتِهَاء وَإِنَّمَا يتَحَقَّق الِانْتِهَاء عَن شَيْء والمعدوم لَيْسَ بِشَيْء فَكَانَ من ضَرُورَة صِحَة النَّهْي مُوجبا للانتهاء كَون الْمنْهِي عَنهُ مَشْرُوعا فِي الْوَقْت فَكيف يَسْتَقِيم أَن يَجْعَل الْمنْهِي عَنهُ غير مَشْرُوع بِحكم النَّهْي بَعْدَمَا كَانَ مَشْرُوعا وَبِه تبين أَن النَّهْي ضد النّسخ فالنسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>