للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصرف فِي الْمَشْرُوع بِالرَّفْع ثمَّ يَنْعَدِم أَدَاء العَبْد بِاعْتِبَار أَنه لم يبْق مَشْرُوعا وَلَيْسَ للْعَبد ولَايَة الشَّرْع وَالنَّهْي تصرف فِي منع الْمُخَاطب من أَدَاء مَا هُوَ مَشْرُوع فِي الْوَقْت فَيكون انعدام الْأَدَاء مِنْهُ انْتِهَاء عَمَّا نهي عَنهُ وَمُقْتَضى النَّهْي حُرْمَة الْفِعْل الَّذِي هُوَ أَدَاء لوُجُوب الِانْتِهَاء فَبَقيَ الْمَشْرُوع مَشْرُوعا كَمَا كَانَ وَيصير الْأَدَاء فَاسِدا حَرَامًا لِأَن فِيهِ ترك الِانْتِهَاء الْوَاجِب بِالنَّهْي

وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} فَإِنَّهُ كَانَ تَحْرِيمًا لفعل القربان وَلم يكن تَحْرِيمًا لعين الشَّجَرَة وكما لَا يتَصَوَّر تَحْرِيم قرْبَان الشَّجَرَة بِدُونِ الشَّجَرَة لَا يتَحَقَّق تَحْرِيم أَدَاء الصَّوْم فِي وَقت لَيْسَ فِيهِ صَوْم مَشْرُوع

وَبِهَذَا الْحَرْف يتَبَيَّن الْفرق بَين الْأَفْعَال الحسية والعقود الْحكمِيَّة والعبادات الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ لَيْسَ من ضَرُورَة حُرْمَة الْأَفْعَال الحسية انعدام التكون فَقُلْنَا تَأْثِير التَّحْرِيم فِي إخْرَاجهَا من أَن تكون مَشْرُوعَة أصلا وإلحاقها بِمَا هُوَ قَبِيح لعَينه وَمن ضَرُورَة تَحْرِيم الْعُقُود الشَّرْعِيَّة بَقَاء أَصْلهَا مَشْرُوعا إِذْ لَا تكون لَهَا إِذا لم تبْق مَشْرُوعَة وَبِدُون التكون لَا يتَحَقَّق تَحْرِيم فعل الْأَدَاء وَكَذَلِكَ فِي الْعِبَادَات فَكَانَ فِي إبْقَاء الْمَشْرُوع مَشْرُوعا مُرَاعَاة حَقِيقَة النَّهْي لَا أَن يكون تركا للْحَقِيقَة كَمَا قَرَّرَهُ الْخصم

يُوضحهُ أَن صفة الْفساد للْعقد لَا يكون إِلَّا عِنْد وجود العقد فَإِن الصّفة لَا تسبق الْمَوْصُوف وَكَذَلِكَ فَسَاد الْمُؤَدى من الصَّوْم لَا يسْبق الْأَدَاء وَلَا أَدَاء إِذا لم يبْق مَشْرُوعا فبه تبين أَنه بَقِي مَشْرُوعا والمشروعات لَا تكون قبيحا لعَينه فَعرفنَا أَن الْقبْح لوصف اتَّصل بِهِ فَصَارَ بِهِ الْأَدَاء قبيحا فَاسِدا إِلَّا فِي مَوضِع يتَعَذَّر الْجمع بَين صفة الْحُرْمَة وَبَقَاء الأَصْل فَحِينَئِذٍ يَنْعَدِم ضَرُورَة وَيكون ذَلِك نسخا من طَرِيق الْمَعْنى فِي صُورَة النَّهْي لَا أَن يكون نهيا حَقِيقَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا

فالصوم وَالصَّلَاة يَسْتَقِيم أَن يكون أَصله مَشْرُوعا مَعَ كَون الْأَدَاء حَرَامًا كَصَوْم يَوْم الشَّك وَالصَّلَاة فِي وَقت مَكْرُوه وَكَذَلِكَ الْعُقُود الشَّرْعِيَّة يتَصَوَّر بَقَاء أَصْلهَا مَشْرُوعا مَعَ حُرْمَة مُبَاشرَة التَّصَرُّف وفساده كَالطَّلَاقِ فِي حَالَة الْحيض وَفِي الطُّهْر الَّذِي جَامع فِيهِ امْرَأَته

وَتَقْرِير آخر أَن النَّهْي يُوجب إعدام الْمنْهِي عَنهُ بِفعل مُضَاف إِلَى كسب العَبْد

<<  <  ج: ص:  >  >>