للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختياره لِأَنَّهُ ابتلاء كالأمر وَإِنَّمَا يتَحَقَّق الِابْتِلَاء إِذا بَقِي للْعَبد فِيهِ اخْتِيَار حَتَّى إِذا انْتهى مُعظما لحُرْمَة الناهي كَانَ مثابا عَلَيْهِ وَإِذا أقدم عَلَيْهِ تَارِكًا تَعْظِيم حُرْمَة الناهي كَانَ معاقبا على إيجاده وَلَا يتَحَقَّق ذَلِك إِلَّا فِيمَا هُوَ مَشْرُوع فَبِهَذَا تبين أَن مُوجب النَّهْي إِنَّمَا يتَحَقَّق فِي الْعُقُود الشَّرْعِيَّة والعبادات إِذا كَانَت مَشْرُوعَة بعد النَّهْي فَأَما صفة الْقبْح فَهُوَ ثَابت بِمُقْتَضى النَّهْي وَلَكِن ثُبُوت الْمُقْتَضى لتصحيح الْمُقْتَضى لَا لإبطاله وَإِذا انْعَدم الْمَشْرُوع بِمُقْتَضى صفة الْقبْح يَنْعَدِم مُوجب النَّهْي وبانعدامه يبطل النَّهْي فَلَا يجوز إِثْبَات الْمُقْتَضى على وَجه يكون مُبْطلًا للمقتضي

وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله فعل ذَلِك فَكَانَ قَوْله فَاسِدا وَنحن أثبتنا أصل النَّهْي مُوجبا للانتهاء ثمَّ أثبتنا الْمُقْتَضى بِحَسب الْإِمْكَان على وَجه لَا يبطل بِهِ الأَصْل وَلَكِن يثبت الْقبْح وَالْحُرْمَة صفة لأَدَاء العَبْد الْمَشْرُوع فِي الْوَقْت فَإِن الْقبْح إِذا كَانَ فِي وصف الشَّيْء لَا يعْدم أَصله كالإحرام بعد الْفساد فَإِنَّهُ يبْقى أَصله وَإِن كَانَ قبيحا لِمَعْنى اتَّصل بوصفه وَهُوَ الْفساد والعذر الَّذِي ذكره يرجع إِلَى تَحْقِيق مَا ذكرنَا فَإِن فَسَاد الْإِحْرَام بِالْجِمَاعِ حكم ثَابت شرعا وَإِلَى الشَّرْع ولَايَة إعدام أصل الْإِحْرَام فَلَو كَانَ من ضَرُورَة صفة الْفساد انعدام الأَصْل فِي المشروعات لَكَانَ الحكم بفساده شرعا معدما لأصله أَلا ترى أَن بِسَبَب الرِّدَّة يَنْعَدِم أصل الْإِحْرَام وَإِن كَانَ ذَلِك من أعظم الْجِنَايَات لِأَن حبوط الْعَمَل بِالرّدَّةِ حكم شَرْعِي وبسبب الْإِحْصَار يتَمَكَّن من الْخُرُوج من الْإِحْرَام قبل أَدَاء الْأَعْمَال وَذَلِكَ جِنَايَة من العَبْد وَلَكِن جَوَاز دفع ضَرَر اسْتِدَامَة الْإِحْرَام عَن نَفسه حكم شَرْعِي فيتمكن بِهِ من الْخُرُوج قبل أَدَاء الْأَعْمَال وَكَانَ مَا بَيناهُ نِهَايَة فِي التَّحْقِيق ومراعاة لحقيقة مُوجب النَّهْي وإثباتا بِمُقْتَضَاهُ بِحَسب الْإِمْكَان وَبِهَذَا يتَبَيَّن الْفرق بَين الْأَمر وَالنَّهْي على مَا اسْتدلَّ بِهِ الْخصم فَإِن مُطلق الْأَمر يُوجب حسن الْمَأْمُور بِهِ لعَينه لِأَنَّهُ طلب الإيجاد بأبلغ الْجِهَات فتمام ذَلِك بالوجود حَقِيقَة فَكَانَ فِي إِثْبَات صفة الْحسن بِمُقْتَضى الْأَمر على هَذَا الْوَجْه تَحْقِيق الْمَأْمُور بِهِ فَأَما النَّهْي فَطلب الإعدام بأبلغ الْجِهَات وَلَكِن مَعَ بَقَاء اخْتِيَار العَبْد فِيهِ ليَكُون مبتلى كَمَا فِي الْأَمر وَحَقِيقَة ذَلِك إِنَّمَا يتكون بِهِ فِيمَا هُوَ مَشْرُوع وَيبقى بعد النَّهْي مَشْرُوعا

<<  <  ج: ص:  >  >>