للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا) .

ــ

[المنتقى]

أَنَّهُ كَانَ يَفْتِلُهُ بِأَصَابِعِهِ لِيَجِفَّ فِيهَا وَتَذْهَبَ رُطُوبَتُهُ فَلَا يَفْسُدُ ثَوْبُهُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ جَسَدِهِ وَهَذَا فِي الْيَسِيرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

[الْعَمَلُ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي طُعِنَ فِيهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ وَقْتَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ طُعِنَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَلَعَلَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مِنْ الْوَقْتِ الْمُتَّصِلِ بِتِلْكَ اللَّيْلَةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ عُمَرَ مَاتَ مِنْ يَوْمِهِ الَّذِي طُعِنَ فِيهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَيْقَظَ عُمَرَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ بِجُرْحٍ وَلَا شِدَّةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ نَعَمْ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ يَعْنِي أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ أَعْمَالُهُ إذْ الصَّلَاةُ أَوَّلُ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ قَبُولًا وَأَرْفَعُهَا شَأْنًا فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بَطَلَ نَصِيبُهُ مِنْ سَائِرِ أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ وَلَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُكَذِّبًا بِهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ وَلَا يُحْقَنُ دَمُهُ مَنْ لَا يُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي يَحْقِنُ الْإِنْسَانُ بِهِ دَمَهُ هُوَ إظْهَارُ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فَمَعْنَى ذَلِكَ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَلَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ حَظٌّ يُحْقَنُ بِهِ دَمُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا يُرِيدُ يَسِيلُ دَمًا وَخُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الْجُرْحِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَالثَّانِي أَنْ يَجْرِيَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَإِنْ اتَّصَلَ خُرُوجُهُ فَعَلَى الْمَجْرُوحِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَالِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّوَقِّي مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَسْلُهَا إلَّا إذَا كَثُرَتْ وَتَفَاحَشَتْ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُهَا.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا مَا لَا يُتَصَوَّرُ خُرُوجُهُ وَيُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْ نَجَاسَتِهِ وَدَمِهِ فَإِنْ انْبَعَثَ فِي الصَّلَاةِ بِفِعْلِ الْمُصَلِّي أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ لِنَجَاسَةِ جِسْمِهِ وَثَوْبِهِ فَيَغْسِلْ مَا بِهِ مِنْ الدَّمِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ صَلَاتَهُ لِأَنَّ هَذِهِ نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهَا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَا تَرَوْنَ فِيمَنْ غَلَبَهُ الدَّمُ مِنْ جُرْحٍ أَوْ رُعَافٍ فَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إيمَاءً قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَذَلِكَ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .

(ش) : سُؤَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لِأَصْحَابِهِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْبَارِ لَهُمْ بِالْمَسَائِلِ وَالتَّدْرِيبِ لَهُمْ فِي فَهْمِهَا وَالنَّظَرِ فِي أَحْكَامِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْبِيهِ لَهُمْ عَلَى السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ مَنْ رَعَفَهُ الدَّمُ وَغَلَبَهُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ وَقَوْلُهُ أَرَى أَنْ يُومِئَ بِرَأْسِهِ إيمَاءً يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ غَسْلِ الدَّمِ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَحُكْمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَيُومِئَ لِرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَوْجِيهِ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّمَا ذَلِكَ لِيَدْرَأَ عَنْ ثَوْبِهِ الْفَسَادَ بِالْإِيمَاءِ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ ذَهَبَ فَتَمَّ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ لَأَفْسَدَ ثَوْبَهُ الدَّمُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُبِيحُ الْإِيمَاءَ كَمَا يُبِيحُ التَّيَمُّمُ الزِّيَادَةَ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ وَتُسْقِطُ فَرْضَ اسْتِعْمَالِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الرُّعَافُ يَضُرُّ بِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ كَالرَّمَدِ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى السُّجُودِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>