للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَابُ الطِّلَاءِ وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ فَجَلَدَهُ عُمَرُ الْحَدَّ تَامًّا)

ــ

[المنتقى]

[كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ] [الْحَدُّ فِي الْخَمْرِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ يُرِيدُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَانٍ رِيحَ شَرَابٍ وَفُلَانٌ هَذَا يُقَالُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إنِّي وَجَدْت مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ رِيحَ شَرَابٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَوْسَطُ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ كُلُّهُمْ يُسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَكْبَرُهُمْ يُقَالُ أَنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِي هُوَ أَبُو شَحْمَةَ الْمَجْلُودُ فِي الْخَمْرِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ جَدُّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُجَبَّرِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَجَدْت رِيحَ شَرَابٍ اسْمُ الشَّرَابِ يَنْطَلِقُ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ عَلَى كُلِّ مَشْرُوبٍ مُسْكِرٍ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا وَجَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ الشَّارِبِ رِيحَ شَرَابٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ هَلْ هُوَ رِيحٌ مُسْكِرٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَوْ تَمَيَّزَ لَهُ أَنَّهُ رِيحُ شَرَابٍ مُسْكِرٌ لَمَّا احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ إنْ كَانَ مُسْكِرًا أَوْ لَا.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالرَّائِحَةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَ فِيهِ رِيحَ الْمُسْكِرِ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا: لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ مَا رُوِيَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَجْلِدُ رَجُلًا وَجَدَ مِنْهُ رِيحَ شَرَابٍ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ تَامًّا.

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَكَمَ بِهَذَا وَكَانَ مِمَّنْ تَشْتَهِرُ قَضَايَاهُ وَتَنْتَشِرُ وَيُتَحَدَّثُ بِهَا وَتُنْقَلُ إلَى الْآفَاقِ وَلَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ عَلَيْهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى تُعْلَمُ بِهِ صِفَةُ مَا شَرِبَهُ الْمُكَلَّفُ وَجِنْسُهُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَرِيقًا إلَى إثْبَاتِ الْحَدِّ أَصْلُ ذَلِكَ الرُّؤْيَةُ لِمَا شَرِبَهُ بَلْ الرَّائِحَةُ أَقْوَى فِي حَالِ الْمَشْرُوبِ مِنْ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُعْلَمُ بِهَا الشَّرَابُ أَمُسْكِرٌ هُوَ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِرَائِحَتِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ فِي الْخَمْرِ] ١

الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ مِمَّنْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ فِيهِ الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ إذَا تُيُقِّنَتْ رَائِحَةُ الْمُسْكِرِ أَوْ أُشْكِلَتْ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَنْ يَجِبُ اسْتِنْكَاهُهُ) وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى الْحَاكِمُ مِنْهُ تَخْلِيطًا فِي قَوْلٍ أَوْ مَشْيٍ شِبْهَ السَّكْرَانِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُ أَمَرَ بِاسْتِنْكَاهِهِ قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ إلَى الْحُكْمِ فَلَا يَسَعُهُ إلَّا تَحْقِيقُهُ فَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ أَقَامَهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَذَلِكَ لَوْ شَمَّ مِنْهُ رَائِحَةً يُنْكِرُهَا أَوْ أَخْبَرَهُ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُنْكِرُهَا مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: فَعِنْدِي أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ اسْتِنْكَاهُهُ وَتَحْقِيقُ حَالِهِ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ يُنْكَرُ بِهَا حَالُهُ فَيَجِبُ اخْتِبَارُهُ وَتَحَقُّقُ حَالِهِ كَالتَّخْلِيطِ فِي الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ يُرِيدُ التَّخْلِيطَ فِي الْقَوْلِ وَالْمَشْيِ لَمْ يَسْتَنْكِهَهُ رَوَاهُ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ: وَلَا يُتَجَسَّسُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ رِيبَةً وَلَا خُرُوجًا عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ الْمُعْتَادَةِ وَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ رِيبَةٍ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِيمَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ] ١

ِ فَأَمَّا مَنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ صِفَتِهِمْ وَعَدَدِهِمْ فَأَمَّا صِفَتُهُمْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ فِي كِتَابِهِ: إنَّ صِفَةَ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الرَّائِحَةِ أَنْ يَكُونَا مِمَّنْ خُبِرَ شُرْبُهَا فِي وَقْتٍ إمَّا فِي حَالِ كُفْرِهِمَا أَوْ شَرِبَاهَا فِي إسْلَامِهِمَا فَجُلِدَا ثُمَّ تَابَا حَتَّى يَكُونَا مِمَّنْ يَعْرِفُ الْخَمْرَ بِرِيحِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا عِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ مَعْدُومٌ أَوْ قَلِيلٌ وَلَوْ لَمْ تَثْبُتْ الرَّائِحَةُ إلَّا بِشَهَادَةِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فِيهَا فِي الْأَغْلَبِ وَوَجْهٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَبْ قَطُّ وَلَكِنْ يَعْرِفُ رَائِحَتَهَا مَعْرِفَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>