للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْتُوتَةُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالَهُ يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ) .

ــ

[المنتقى]

صَلَّاهُمَا بِطَرِيقِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دَمٍ وَلَا غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ فَالْأَخْذُ بِهِ أَحْوَطُ وَأَفْضَلُ وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْأَبْطَحَ فَإِنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَاةَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ فَإِذَا أَتَى الْأَبْطَحَ نَزَلَ بِهِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِهِ وَالنُّزُولَ بِالْأَبْطَحِ مُخْتَلَفٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنْ اللَّيْلِ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ مِمَّنْ عَلَيْهِ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَيَدْخُلُ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُرِيدُ الرَّحِيلَ وَقَدْ طَافَ لِإِفَاضَتِهِ فَيَدْخُلُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ فَقَدْ حَلَّ وَإِنْ شَاءَ طَافَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ الطَّوَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَيْتُوتَةُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى]

ش قَوْلُهُ كَانَ يَبْعَثُ رِجَالًا يُدْخِلُونَ النَّاسَ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ يُرِيدُ لَيَالِيَ مِنًى لِأَنَّ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى مَشْرُوعٌ كَالْمُقَامِ بِهَا وَكُلُّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِمِنًى فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَ الْعَقَبَةِ إلَيْهَا كَالنَّحْرِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ ثُمَّ أَتَى إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى أَصْبَحَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَبِيتَ لَيْلَةً كَامِلَةً فَعَلَيْهِ دَمٌ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً أَوْ جُلَّ لَيْلَةٍ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَإِنْ بَاتَ بَعْضَ لَيْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاتَ بِمِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَرَخَّصَ الْعَبَّاسَ فِي الْمَبِيتِ بِمَكَّةَ لِأَجْلِ السِّقَايَةِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَإِلَّا فَكَانَ يَجُوزُ لِلْعَبَّاسِ ذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ دُونَ إرْخَاصٍ وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْأَئِمَّةِ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بِمَنْعِ عُمَرَ الْمَبِيتَ وَرَاءَ الْعَقَبَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ لِعَدَمِ الْخِلَافِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَالْعَقَبَةُ الَّتِي مَنَعَ عُمَرُ أَنْ يَبِيتَ أَحَدٌ وَرَاءَهَا إلَى مَكَّةَ هِيَ الْعَقَبَةُ الَّتِي عِنْدَ الْجَمْرَةِ الَّتِي يَرْمِيهَا النَّاسُ يَوْمَ النَّحْرِ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ وَمَنْ بَاتَ وَرَاءَهَا لَيَالِيَ مِنًى فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاتَ بِغَيْرِ مِنًى لَيَالِيَ مِنًى وَهُوَ مَبِيتٌ مَشْرُوعٌ فِي الْحَجِّ فَلَزِمَ الدَّمُ بِتَرْكِهِ كَالْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَمَعْنَى الْفِدْيَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْهَدْيُ قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ هَدْيٌ يُسَاقُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ فِي مَنْ زَارَ الْبَيْتَ فَمَرِضَ بِمَكَّةَ وَبَاتَ بِهَا عَلَيْهِ هَدْيٌ يَسُوقُهُ مِنْ الْحِلِّ إلَى الْحَرَمِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ مَعَ الضَّرُورَةِ.

ص (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِمِنًى) ش قَوْلُهُ فِي الْبَيْتُوتَةِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى لَا يَبِيتَنَّ أَحَدٌ إلَّا بِمِنًى إنَّمَا خَصَّ السَّائِلُ مَكَّةَ بِالْمَبِيتِ بِهَا لَمَّا رَأَى أَنَّ الْعَبَّاسَ وَابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ كَانَا يَبِيتَانِ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى أَرْخَصَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبَاحَةُ ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ عِكْرِمَةُ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى وَيَظَلَّ بِهَا إذَا رَمَى الْجِمَارَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَهُ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ سَائِرَ النَّاسِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ فَخَشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ إنْ بَاتَ بِمِنًى فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ بِمَكَّةَ فَعَلَّقَ إبَاحَةَ ذَلِكَ بِالْعُذْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُبَاحٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِأَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ يَخُصُّهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ عَلَى حَسَبِ مَا رَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ فِيمَنْ حَبَسَهُ مَرَضٌ فَبَاتَ بِمَكَّةَ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>