للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بِمِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ» ) .

ــ

[المنتقى]

الْحَاجُّ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ.

قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَيَسْعَى الْمَاشِي فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ كَنَحْوِ مَا يُحَرِّكُ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ.

[مَا جَاءَ فِي النَّحْرِ فِي الْحَجِّ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بِمِنًى هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مَنْحَرٌ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إلَى مَوْضِعِ نَحْرِهِ فَخَصَّهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَنْحَرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ فَضِيلَةٌ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَنْحَرُ فِيهِ وَيَقْصِدُهُ وَيُسَابِقُ إلَيْهِ وَمَنْحَرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ» يُرِيدُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا مَخْصُوصًا بِالْفَضِيلَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنَحْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي اللَّهُ أَعْلَمُ بِهَا فَإِنَّ جَمِيعَ مِنًى مَنْحَرٌ أَيْضًا لِيُجْزِئَ النَّحْرُ بِهِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ النَّحْرِ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ بِمِنًى مُخْتَصٌّ بِالنَّحْرِ عَلَى ثَلَاثِ صِفَاتٍ إنْ عُدِمَتْ مِنْهَا صِفَةٌ لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ بِمِنًى إحْدَاهُمَا أَنْ يُوقَفَ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ النَّحْرُ فِي حَجٍّ فَمَتَى اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لَمْ يَجُزْ النَّحْرُ بِغَيْرِهَا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: لَوْ نَحَرَ الْهَدْيَ فِي أَيَّامِ مِنًى بِمَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ وُقُوفُهُ بِعَرَفَةَ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] فَذَكَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِلْهَدْيِ مَحِلًّا وَقَدْ «نَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ فِي الْحَجِّ بِمِنًى وَلَمْ يَنْحَرْ بِغَيْرِهَا» فَثَبَتَ أَنَّهَا الْمَنْحَرُ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ أَنَّ مَكَّةَ الْأَصْلُ فِي النَّحْرِ غَيْرَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي هَدْيِ الْحَاجِّ أَنْ يَكُونَ بِمِنًى لِأَنَّهُ إذَا نَحَرَهُ حَلَقَ رَأْسَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مَوْضِعَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُ بِمَكَّةَ.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ إلَّا مَا خَلْفَ الْعَقَبَةِ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ مِنًى إنَّمَا هُوَ مَا دُونَ الْعَقَبَةِ الَّذِي هُوَ مُنْتَهَى مِنًى وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَبِيتُ بِمِنًى دُونَ الْعَقَبَةِ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فَكُلُّ حُكْمٍ يَخْتَصُّ بِمِنًى لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا دُونَ الْعَقَبَةِ كَالْمَبِيتِ وَالنَّحْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «وَقَالَ فِي الْعُمْرَةِ: هَذَا الْمَنْحَرُ يَعْنِي الْمَرْوَةَ» خَصَّ الْمَرْوَةَ بِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا وَلَا لِهَدْيِهَا بِمِنًى فَأَشَارَ إلَى الْمَرْوَةِ.

وَقَالَ: «هَذَا الْمَنْحَرُ» عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ: «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ وَطُرُقِهَا مَنْحَرٌ» يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضِيلَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ سَائِرَ طُرُقِهَا وَمَوَاضِعِهَا يَجْزِي النَّحْرُ فِيهَا فَكُلُّ مَا لَا يَصِحُّ نَحْرُهُ بِمِنًى لِعَدَمِ صِفَةٍ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْحَرُ إلَّا بِمَكَّةَ لِأَنَّهُ لَا مَنْحَرَ لِلْهَدْيِ غَيْرَ مِنًى وَمَكَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ «الْمَنْحَرُ بِمَكَّةَ» مَكَّةُ نَفْسُهَا وَمَا يَلِي بُيُوتَهَا مِنْ مَنَازِلِ النَّاسِ قَالَهُ مَالِكٌ وَسُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ الْمَنْحَرِ فِي فِجَاجِ مَكَّةَ أَوْ ذِي طُوًى فَقَالَ: مَنْ نَحَرَ فِي فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْهُ: وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَنْحَرَهُ عِنْدَ ثَنِيَّةِ الْمَدَنِيِّينَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُجْزِئُهُ بِذِي طُوًى وَلَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَكَّةَ وَلَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:.

وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا لَهُ حُكْمُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مَنْحَرٌ وَمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَدِينَةِ فَلَيْسَ بِمَنْحَرٍ وَحَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ» عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْفِجَاجِ مَا دَاخِلَ الْقَرْيَةِ وَأَنَّ اسْمَ مَكَّةَ دَاخِلٌ مُخْتَصٌّ بِهَا لِأَنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِذِي طُوًى حُكْمُهَا مَعَ كَوْنِهَا رَبَضًا مُتَّصِلًا بِالْمَدِينَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ بِهَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>