للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدِ الدِّيلِيِّ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَيُّمَا دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ» )

ــ

[المنتقى]

[الْقَضَاءُ فِي قَسْمِ الْأَمْوَالِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ قُسِمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفَذَتْ قِسْمَتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الظَّاهِرُ مِنْ تَأْوِيلِ ابْنِ نَافِعٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا اُسْتُحِقَّتْ سِهَامُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ مَاتَ مَيِّتٌ فَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَصَارَ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِسِهَامِهِمْ عَلَى أَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ بِهَا يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكَ الرَّدِّ لِمَا سَلَفَ مِنْ عُقُودِهِمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِمْضَائِهَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ لَا يُرَدُّ شَيْءٌ مِنْ بُيُوعِهِمْ وَلَا أَنْكِحَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بَلْ يُصَحِّحُ الْإِسْلَامُ الْمِلْكَ الْوَاقِعَ بِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَيُّمَا دَارٍ، أَوْ أَرْضٍ أَدْرَكَهَا الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ مُشْتَرَكًا فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامُ وَلَمْ تُقْسَمْ فَهِيَ عَلَى حُكْمِ الْإِسْلَامِ دُونَ مَا كَانُوا يَعْتَقِرُونَهُ وَيَقْتَسِمُونَ عَلَيْهِ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ مِثْلُ أَنْ يَرِثُوا دَارًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَقْتَسِمُونَهَا حَتَّى يَدْخُلَ عَلَى جَمِيعِهِمْ الْإِسْلَامُ فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى مَوَارِيثِ الْإِسْلَامِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَجُوسِ وَالْفُرْسِ وَالْفِرَازِيَّةِ وَكُلِّ مَنْ لَيْسَ لَهُ كِتَابٌ فَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ أَنْ وَرِثُوا دَارًا فَإِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى مُقْتَضَى شَرْعِهِمْ يَوْمَ وَرِثُوهَا وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ أَهْلَ كِتَابٍ كَانُوا، أَوْ غَيْرَ أَهْلِ كِتَابٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ كَانَتْ شَرِيعَتُهُمْ أَحْكَامُهَا ثَابِتَةٌ مَشْرُوعَةٌ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا غَيَّرُوا مِنْهَا، وَقَدْ طَرَأَ عَلَيْهَا النَّسْخُ وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَحْكَامُ نِسَائِهِمْ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ غَيْرَ أَحْكَامِ نِسَاءِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لَنَا أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ دُونَ ذَبَائِحِ غَيْرِهِمْ وَالْمَوَارِيثُ إنَّمَا يُرَاعَى اسْتِحْقَاقُهَا يَوْمَ التَّوَارُثِ لَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَرِثْهُ أَحَدٌ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ؟ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَرَثَتِهِ يَوْمَ وَفَاتِهِ وَهُوَ يَوْمُ انْتِقَالِ الْمَالِ، وَنَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ، وَقَدْ خُصَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَإِنَّمَا يَنْطَلِقُ ظَاهِرُهَا عَلَى مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَنَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْإِسْلَامُ قِسْمَتَهَا بِالِاسْتِحْقَاقِ دُونَ ضَرْبِ الْحُدُودِ وَتَمْيِيزِ مَوَاضِعِ الْحُقُوقِ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ غَيْرِهِمْ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ أَسْلَمَ بَعْضُهُمْ فَقَدْ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ الْقِسْمَةَ تَكُونُ عَلَى أَصْلِ حُظُوظِهِمْ وَرَوَاهُ ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ.

وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا: إنَّ حُكْمَ الْإِسْلَامِ يَغْلِبُ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ إلَّا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَوْمَ الْقِسْمَةِ كَانَا كَافِرَيْنِ، وَلَوْلَا أَنَّ الْفُقَهَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَسَاغَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنَّهُ لَا يُقَسَّمُ إلَّا عَلَى مُقْتَضَى شَرْعِهِمْ وَإِنْ أَسْلَمَ جَمِيعُهُمْ وَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَى قَسْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى صِفَتِهِ مِنْ الصِّحَّةِ وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُفْسِدُ الْبُيُوعَ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا بَيْعًا وَسَلَامَتِهِ مِمَّا يُفْسِدُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهَا تَمْيِيزَ حَقٍّ وَأَنْ تَكُونَ مَقَادِيرُ سِهَامِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِهِمْ لَهَا عَلَى مَا أَوْجَبَهُ شَرْعُهُمْ يَوْمَ التَّوَارُثِ، وَإِنَّمَا عَدَلْنَا عَنْ هَذَا الْوَجْهِ مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لَهُ بَلْ مَعَ كَوْنِهِ الْأَظْهَرَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>