للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَكَانَتْ عَنْوَةً بِغَيْرِ قِتَالٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ النِّصْفُ عَلَى وَجْهِ الصُّلْحِ وَكَانَ النِّصْفُ عَلَى وَجْهِ الْعَنْوَةِ وَلَكِنَّهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ إيجَافٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَا قِتَالٍ فَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ النِّصْفِ حُكْمَ الْخُمُسِ قَالَ مَالِكٌ ثُمَّ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَجْلَى أَهْلَ خَيْبَرَ وَأَجْلَى أَهْلَ فَدَكِ وَأَعْطَى أَهْلَ فَدَكِ بِذَلِكَ حِبَالًا وَأَقْتَابًا وَذَهَبًا اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِلْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمُ هَذِهِ الْبِلَادِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَكَّةُ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِهَا فَقَالَ مَالِكٌ اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا دَخَلَهَا صُلْحًا وَقَالَ أَصْحَابُهُ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَ فِيهَا فِعْلَ مَنْ صَالَحَهُ فَمَلَكَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَأَرْضَهُ وَدِيَارَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا فَلَيْسَ بِخِلَافٍ لِقَوْلِنَا عَنْوَةً.

وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَلَوْ كَانَ هُنَا صُلْحٌ لَمَا احْتَاجَ إلَى تَأْمِينِ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا مَخْصُوصًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ جُرْمٌ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ وَيَعْفُوَ عَنْ جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَدِمْ بِمَكَّةَ حُكْمُ الْعَنْوَةِ مِنْ قَسْمِ دُورِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ وَاسْتِرْقَاقِ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَمَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَرَدَّهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُقَسِّمْهَا وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا مِنْهَا فَيْئًا فَرَأَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ وَلِلْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَاَلَّذِي أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَهُ فِي مَكَّةَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِجَائِزٍ لَهُ فِي غَيْرِهَا وَمَكَّةُ لَا يُشْبِهُهَا شَيْءٌ مِنْ الْبِلَادِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ رَسُولَهُ مِنْ الْأَنْفَالِ بِمَا لَمْ يَخُصَّ بِهِ غَيْرَهُ فَقَالَ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ وَاَلَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ لَا يَبْعُدُ فِي قَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ فِي مَكَّةَ دُونَ غَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّ مَكَّةَ خُصَّتْ بِمَنْعِ الْقِتَالِ فِيهَا وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا وَحُرِّمَ الْقِتَالُ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلِذَلِكَ أَعَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيْأَهُمْ إلَيْهِمْ بَعْدَ تِلْكَ السَّاعَةِ لَمَّا حُرِّمَتْ مُقَاتَلَتُهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحْتَمَلُ عِنْدِي الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَجَائِزٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَوَازِنَ سَبْيَهُمْ وَاسْتَأْنَى بِهِمْ شَهْرًا لِيَرُدَّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَلَعَلَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا وَاسْتِئْلَافًا لِأَهْلِ مَكَّةَ فَرَدَّ إلَيْهِمْ دُورَهُمْ وَأَرْضَهُمْ وَأَمْلَاكَهُمْ وَلَعَلَّهُ قَدْ اسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَذِنُوا لَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ افْتَتَحُوا مَكَّةَ وَقَدْ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ فِرَارًا مِنْ الْقَتْلِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ وَلَمْ يَسْبِ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَتْبَعَهُمْ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَرْضَهُمْ فَكُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَقِيَ مِلْكُهُ فِي يَدِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا أَرْضُ الْأَنْدَلُسِ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً وَمِنْهَا مَا اُفْتُتِحَ صُلْحًا كَتَدْمُرَ وَغَيْرِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ حُكْمِ أَرْضِهَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(فَرْعٌ) ذَكَرَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَجَعَلَ عَلَى جَرِيبِ الْبُرِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى جَرِيبِ الشَّعِيرِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَلَى جَرِيبِ التَّمْرِ سِتَّةً قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الزَّجَّاجِيُّ الْجَرِيبُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ ذِرَاعًا قَالَ غَيْرُهُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيَّةِ وَهِيَ ذِرَاعٌ وَثُلُثٌ بِذِرَاعِ الْيَدِ وَالذِّرَاعُ الْهَاشِمِيُّ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَالْقَبْضَةُ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ وَالْأَشَلُّ حَبْلٌ يُذْرَعُ بِهِ الْجَرِيبُ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَالنَّابُ قَصَبَةٌ يُذْرَعُ بِهَا أَيْضًا وَطُولُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَهِيَ عُشْرُ الْأَشَلِّ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِالذِّرَاعِ الْهَاشِمِيِّ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي حُكْمِ أَهْلِ الصُّلْحِ] ١

<<  <  ج: ص:  >  >>