للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي الْمِيَاهِ) (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي سَيْلِ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنَبٍ يُمْسَكُ حَتَّى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ» )

ــ

[المنتقى]

[الْقَضَاءُ فِي الْمِيَاهِ]

(ش) : قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَسَحْنُونٌ: مَهْزُورٌ وَمُذَيْنَبٍ وَادِيَانِ بِالْمَدِينَةِ، زَادَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ مِلْكُهُمَا لِأَحَدٍ كَانَا يُسْقَيَانِ بِالسَّيْلِ فَإِذَا أَتَى السَّيْلُ سَقَى الْأَعْلَى حَائِطَهُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه وَذَلِكَ أَنَّ الْمِيَاهَ الَّتِي تَسْقِي عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ لَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالسُّيُولِ وَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَضَرْبٌ يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَأَمَّا مَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ، أَوْ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا رَجُلٌ مُعَيَّنٌ، أَوْ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا رِجَالٌ مُعَيَّنُونَ فَأَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ فِي أَرْضٍ لَا تُمْلَكُ مِثْلُ الْمِيَاهِ الَّتِي تَسِيلُ مِنْ شِعَابِ الْجِبَالِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ كَمَهْزُورٍ وَمُذَيْنَبٍ فَتَسِيلُ مِيَاهُهُمَا فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكَةٍ إلَى أَرْضِ مَنْ يَسْقِي بِهَا ثُمَّ يَتَّصِلُ جَرْيُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَيُحَاذِي مَجْرَى الْمَاءِ فِي إحْدَى جَانِبَيْهِ، أَوْ فِي جَانِبَيْهِ جَمِيعًا مَزَارِعُ وَحَدَائِقُ لِلنَّاسِ وَيَسْقُونَ بِهِ فَهَذَا حُكْمُهُ أَنْ يُسْقَى بِهِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَذَلِكَ إذَا كَانَ إحْيَاؤُهُمْ مَعًا، أَوْ إحْيَاءُ الْأَعْلَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَهَذَا حُكْمُ النِّيلِ أَيْضًا فَإِنْ أَحْيَا رَجُلٌ مَاءَ سَيْلٍ ثُمَّ أَتَى غَيْرُهُ فَأَحْيَا فَوْقَهُ مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَعْلَى سَيْلٍ مِنْهُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْفَرِدَ وَيَسْقِي بِهِ قَبْلَ الْأَسْفَلِ الَّذِي أَحْيَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ عَمَلَ الثَّانِي وَيُتْلِفُ غَرْسَهُ وَزَرْعَهُ، فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إذَا كَانَ بَعْضُ الْأَجِنَّةِ أَقْدَمَ مِنْ بَعْضٍ فَالْقَدِيمُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَاءِ قَدْ تَقَدَّمَ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّهُ مِنْهُ بِمَا يُحْدِثُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ الْجَنَّتَانِ مُتَقَابِلَتَيْنِ فَمَا حُكْمُهُ أَنْ يَكُونَ الْأَعْلَى بِالْأَعْلَى فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا الْمَاءُ وَجْهُ ذَلِكَ تَسَاوِيهِمَا فِي وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ كَانَ الْأَسْفَلُ مُقَابِلًا لِبَعْضِ الْأَعْلَى حُكِمَ لِمَا كَانَ أَعْلَى بِحُكْمِ الْأَعْلَى وَلِمَا كَانَ مِنْهُ مُقَابَلًا بِحُكْمِ الْمُقَابِلِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ جَرْيُ الْمَاءِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مَا كَانَ مِنْ سُيُولِ الْمَطَرِ فِي أَرْضِ النَّاسِ الْمَعْرُوفَةِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَمْنَعَ مَاءَهُ وَيَحْبِسَهُ فِي أَرْضِهِ قَلَّ، أَوْ كَثُرَ وَلَا يُرْسِلُ مِنْهُ شَيْئًا إلَى مَنْ تَحْتَهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِي أَرْضِهِ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَازَعُ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي أَرْضِ أَحَدٍ فَأَمَّا مَا سَالَ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ إنْ شَاءَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا كَانَ سَيْلُهُ فِي أَرْضٍ يَمْلِكُهَا قَوْمٌ مُعَيَّنُونَ مِثْلَ أَهْلِ النَّهْرِ يَجْتَمِعُونَ عَلَى إخْرَاجِ مَاءٍ مِنْهُ فَيَحْمِلُونَهُ فِي أَرْضِهِمْ، أَوْ فِي أَرْضِ مَبُورَةٍ مَلَكُوهَا لِشَقِّ سَاقِيَتِهِمْ فِيهَا وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِمَائِهِمْ وَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ فِي حُكْمِ التَّقْوِيمِ لَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَإِنَّمَا يَقْتَسِمُونَهَا بِمَا يُقْتَسَمُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يُمْلَكُ أَصْلُهُ وَسَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا مَا يُمْلَكُ أَصْلُهُ كَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّ هَؤُلَاءِ يَقْتَسِمُونَ مَاءَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ بِالْقَلْدِ وَلَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَكِنْ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ رَقَبَةَ الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ مِلْكٌ وَلِكُلِّ ذِي حَظٍّ فِيهَا الِانْتِفَاعُ بِحَظِّهِ وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي أَرْضٍ هِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَلَهُمْ شِرْبٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَصْرِفَ حِصَّتَهُ مِنْ الشِّرْبِ إلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى أَنَّ لَهُ ذَلِكَ عَطَّلَ حِصَّتَهُ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ لَمْ يُعَطِّلْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ وَالْأَرْضُ مَقْسُومَةٌ قَالَ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَمُرَّ بِهِ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ عَلَى الْإِشَاعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>