للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

لِكَثْرَةِ بُورٍ تُرْعَى فِيهِ غَنَمُهُمْ وَيَحْتَطِبُونَ فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ قِسْمَتُهُ وَيَبْقَى مَرْعًى لَهُمْ وَلِلْمَارَّةِ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا قِسْمَتَهُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ فَإِنَّمَا يَقْسِمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَى وَيُعْطِي كُلَّ قَرْيَةٍ مِمَّا يَلِيهَا يُسَوِّي بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ بِالسَّوَاءِ الْكَرِيمُ بِقِيمَتِهِ وَاللَّئِيمُ بِقِيمَتِهِ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقُرَى مُتَّصِلَةً بِالشَّعْرَاءِ وَالْأَبْوَارِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا جَبَلٌ، أَوْ صَخْرَةٌ، أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ حَظٌّ إلَّا أَنْ يَقُومُوا بِبَيِّنَةٍ بِالْمِلْكِ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ وَابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي حَالَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ، أَوْ جَبَلٌ أَوْ صَخْرَةٌ، أَوْ خَرْبٌ لَا تُحْرَثُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ سَحْنُونٌ فَلَوْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنَّ السُّلْطَانَ يُقْطِعُهُمْ إيَّاهُ بَيْنَهُمْ لِئَلَّا يَضُرَّ بِهِمْ مَنْ يُحْيِيهِ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكَانَ وَجْهًا وَقَدْ خَلَطَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ فَقَالَ فَادَّعَى أَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي خَلْفَ النَّهْرِ وَالصَّخْرَةِ أَنَّ لَهُمْ فِي الشَّعْرَاءِ حَقًّا مَعَهُمْ.

وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْقُرَى: إنَّ الَّذِينَ تَصِيرُ لَهُمْ مِنْ نَاحِيَةِ مَنْزِلِهِمْ صَادَفَ كَرْمًا، أَوْ دَنَاءَةً قَالَ سَحْنُونٌ فَصَارَ هَذَا كَإِقْرَارٍ مِنْهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَتْ الشَّعْرَاءُ تَلِي الْقَرْيَةَ وَيَقْطَعُ بَيْنَ الشَّعْرَاءِ وَبَيْنَ قُرًى أُخْرَى تُرْعَى فِيهَا مَوَاشِيهِمْ فَأَهْلُ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَلِيهَا أَحَقُّ بِهَا رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ وَيَقْتَسِمُهُ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ فِي الْقَرْيَةِ يَقْتَسِمُونَهَا بِالْقِسْمَةِ، أَوْ السَّهْمِ وَهَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يَقْتَسِمُهُ أَهْلُ الْقَرْيَةِ فِي الشَّعْرَاءِ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ فِيهَا وَمَا يَقْتَسِمُهُ أَهْلُ الْقُرَى فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ صَغُرَتْ الْقَرْيَةُ، أَوْ عَظُمَتْ.

(فَرْقٌ) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ الْأَبْوَارَ وَالشَّعَارَى وَيَتَشَارَكُونَ فِيهَا عَلَى وَجْهِ الْمَسَارِحِ وَالْمَفَارِقِ بِنِسْبَةِ الْجِهَاتِ وَإِلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَذَلِكَ بِمَعْنَى تَتَسَاوَى فِيهِ الْقُرَى قَدْ يَكُونُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الصُّغْرَى مِنْ الْمَاشِيَةِ أَمْثَالُ مَا لِلْقَرْيَةِ الْكُبْرَى فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الصُّغْرَى لِصِغَرِ قَرْيَتِهِمْ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْكُبْرَى بِشَيْءٍ لِعِظَمِ قَرْيَتِهِمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ أَوْبَارَهَا وَشَعَارَهَا بِسَبَبِ أَمْلَاكِهِمْ وَيَنْفَرِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحَقِّهِ مِنْهَا بِالْقِسْمَةِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ شَاءَ مِنْ عِمَارَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ رُوعِيَ فِيهِ قَدْرُ حَقِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ» حَقٌّ فَسَّرَهُ مَالِكٌ فَقَالَ إنَّ الْعِرْقَ الظَّالِمَ مَا اُحْتُفِرَ، أَوْ اُتُّخِذَ، أَوْ غُرِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ عُرْوَةُ وَرَبِيعَةُ الْعُرُوقُ أَرْبَعَةٌ: عِرْقَانِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَهُمَا الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ، وَعِرْقَانِ فِي جَوْفِهَا الْمِيَاهُ وَالْمَعَادِنُ. وَقَالَ عُرْوَةُ: وَالْبَاطِنَانِ الْبِئْرُ وَالْعَيْنُ قَالَا فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «لَيْسَ لَهُ حَقٌّ» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْبَقَاءِ فَمَنْ غَرَسَ، أَوْ بَنَى ظَالِمًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْقِيه وَكَانَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِهِ أَوْ يُخْرِجَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ غَرْسِهِ مَقْلُوعًا وَقِيمَةَ بُنْيَانِهِ مَنْقُوضًا فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَانَ لِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يُبْقِيَهُ عَلَى مِلْكِهِ دُونَ عِوَضٍ يُعَوِّضُهُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلَا انْتِفَاعٍ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ فِي الْعُيُونِ وَالْآبَارِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ أَنْبَطَ عَيْنًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَنْتَفِعَ بِهِ وَلِصَاحِبِ الْمِلْكِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى إعَادَتِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ وَيُعْطِيه قِيمَةَ مَالِهِ قِيمَةً بَعْدَ إزَالَتِهِ وَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْحَقِّ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ جَازَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا عَلَى مَا قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>