للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَعَنْ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَعَنْ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ الْوَاحِدِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ تُبَاعُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْت هَذِهِ الْحُلَّةَ فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، ثُمَّ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّه أَكَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ

ــ

[المنتقى]

وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ لَعَلَّك تَأَوَّلْت هَذِهِ الْآيَةَ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: ١٢] وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ خَلْعَ نَعْلَيْهِ حَالَ الْجُلُوسِ إيثَارًا لِلُبْسِهِمَا عَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ فَأَمَّا دُخُولُ الْحَرَمِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِالنَّعْلَيْنِ فَمُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِطَاءَ عَلَيْهِمَا وَإِنَّمَا فِيهِمَا تُرَابٌ، أَوْ حَصْبَاءُ وَكَذَلِكَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ وَسُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الطَّوَافِ فِي النَّعْلَيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: ١٢] يَقُولُ طَأْ الْأَرْضَ بِقَدَمَيْك حَافِيًا قَالَهُ مُجَاهِدٌ فَذَهَبَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ إلَى أَنَّهُ أُمِرَ بِخَلْعِ نَعْلَيْهِ لَمَّا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ فَأُمِرَ أَنْ لَا يَطَأَ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ بِهِمَا لِنَجَاسَتِهِمَا وَبِذَلِكَ قَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ لَمْ تَكُونَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْهُ أَنْ يُبَاشِرَ بِقَدَمَيْهِ بَرَكَةَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَهِيَ الطَّاهِرَةُ وَقِيلَ الْمُبَارَكَةُ وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَتَا مِنْ جُلُودِ الْبَقَرِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَيْضًا أُمِرَ مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ وَلِيُبَاشِرَ الْقُدْسَ بِقَدَمَيْهِ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ]

(ش) : نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالثَّوْبِ عَلَى حَقْوَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَفَرْجُهُ بَادٍ وَهُوَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَرْتَفِقُ فِي جُلُوسِهَا وَالِاحْتِبَاءُ بِالرِّدَاءِ لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ لِمَنْ احْتَبَى بِثَوْبٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى فَرْجِهِ شَيْءٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إبْدَاءِ عَوْرَتِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِسَتْرِهَا وَأَمَّا الِاشْتِمَالُ فَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِالثَّوْبِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَيُخْرِجَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِنْ تَحْتِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ عِنْدَ الْعَرَبِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا فَأَمَّا إخْرَاجُ الْيَدِ مِنْ الثَّوْبِ فَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي مِنْهُ فِيهِ مِنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ اللَّفْظَ فَقَدْ سَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ اشْتِمَالًا.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ يَشْتَمِلَ الرَّجُلُ بِثَوْبٍ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ وَلَا يَرْفَعَ مِنْهُ جَانِبًا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ قَالَ: وَرُبَّمَا اضْطَجَعَ فِيهِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُصِيبُهُ شَيْءٌ يُرِيدُ الِاحْتِرَاسَ مِنْهُ وَالِاتِّقَاءَ بِيَدَيْهِ فَلَا يَقْدِرُ؛ لِأَنَّهُمَا تَحْتَ ثَوْبِهِ فَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالِ الصَّلَاةِ بَلْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَحْوَالِ وَالِاضْطِبَاعُ أَنْ يُدْخِلَ الثَّوْبَ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى فَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الصَّمَّاءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ الْيُسْرَى بَدَتْ عَوْرَتُهُ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ وَهَذَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ فَأَجَازَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَرْكُهُ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَيْسَ بِضَيِّقٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>