للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ» ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ رِدَاءٌ وَإِزَارٌ وَالسِّيَرَاءُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ هُوَ ثَوْبٌ مُسَيَّرٌ فِيهِ خُطُوطٌ تُعْمَلُ مِنْ الْقَزِّ.

وَقَالَ الْخَلِيلُ السِّيَرَاءُ الضِّلْعُ بِالْحَرِيرِ وَمَعْنَى ذَلِكَ كَثْرَةُ الْحَرِيرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ جَمِيعُ سَدَاهُ حَرِيرًا وَبَعْضُ لُحْمَتِهِ حَرِيرًا كَانَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِ ثُلُثِهِ فَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ السِّيَرَاءَ مَعْنًى يَعُودُ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِ وَهَيْئَتِهَا وَأَنَّ الْحُلَّةَ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ وَلِذَلِكَ رَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُلَّةَ إسْتَبْرَقٍ وَهُوَ غَلِيظُ الْحَرِيرِ وَرَوَى نَافِعٌ حُلَّةَ حَرِيرٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ وَشْيٌ مِنْ حَرِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَبِسْتهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَقْتَضِي أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ شُرِعَ فِيهِ التَّجَمُّلُ وَقَوْلُهُ وَلِلْوَفْدِ إذَا قَدِمُوا عَلَيْك يَقْتَضِي أَيْضًا أَنَّهُ قَدْ شُرِعَ التَّجَمُّلُ لِلْوَارِدِينَ وَالْوَافِدِينَ فِي الْمَحَافِلِ الَّتِي تَكُونُ لِغَيْرِ آيَةٍ مَخُوفَةٍ كَالزَّلَازِلِ وَالْكُسُوفِ وَعِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى التَّضَرُّعِ وَالرَّغْبَةِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُ عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ التَّجَمُّلِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ لُبْسَ هَذَا النَّوْعِ فَثَبَتَ أَنَّ التَّجَمُّلَ إنَّمَا شُرِعَ بِالْجَمِيلِ مِنْ الْمُبَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَاضِحٌ فِي تَحْرِيمِهِ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ عَلَى لِبَاسِهِ وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِ حُلَّةً مِنْهَا كَسَوْتنِيهَا وَقَدْ قُلْت فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت إشْفَاقًا أَنْ يَكُونَ لَحِقَهُ الْوَعِيدُ بِاللُّبْسِ وَالْوَصْفُ بِأَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَمِثْلُ عُمَرَ عَلَى فَضْلِهِ وَدِينِهِ يُشْفِقُ وَلَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ قَدْ نُسِخَ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْهِ بِهَا لِيَلْبَسَهَا فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَكْسُهُ إيَّاهَا لِيَلْبَسَهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَعْنَى كَسَاهُ إذَا أَعْطَاهُ كِسْوَةً وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْبَسُهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ ثِيَابُ الْحَرِيرِ مِمَّا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا جَازَ اتِّخَاذُهَا لِلُبْسِ النِّسَاءِ وَجَازَ بَيْعُهَا وَشِرَاؤُهَا وَالتِّجَارَةُ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ قِيلَ إنَّهُ كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ، وَإِنَّهُ كَانَ مُشْرِكًا وَقَدْ أَبَاحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ أَنْ تَصِلَ أُمَّهَا وَقَدْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَةً رَاغِبَةً فَقَالَ لَهَا صِلِي أُمَّك قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: ٨] الْآيَةُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ وَقَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لُبِّدَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) .

(ش) : قَوْلُهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْحَالَةَ الَّتِي تَحْسُنُ فِيهَا مَلَابِسُ النَّاسِ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ فِي جَمَالِ الْمَلْبَسِ فَرَأَى فِي تِلْكَ الْحَالِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثَوْبًا يُرَقِّعُهُ فِي أَظْهَرِ مَوَاضِعِهِ وَهُوَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ كَثِيرَةٍ قَدْ لُبِّدَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَقَّعَ الثَّوْبَ، ثُمَّ تَخَرَّقَ ذَلِكَ التَّرَقُّعُ فَأَعَادَ عَلَيْهِ آخَرَ وَهُوَ مَعْنَى تَلْبِيدِ الرِّقَاعِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا بِبَيْتِهِ وَيَلْبَسُ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ بَيْنَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ «إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فَاشِيًا فِي أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَشْتَهِرُ بِهِ مَنْ لَبِسَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَتَّسِعُ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُقَلِّلَ مَا يَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ أَوْصَى إلَى ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا لَا يَفِي بِهِ مَالُهُ وَلِيَسْتَعِينَ عَلَى أَدَائِهِ بِبَنِي عَدِيٍّ وَهُمْ رَهْطُهُ فَإِنْ تَأَدَّى بِذَلِكَ وَإِلَّا فَبِقُرَيْشٍ وَلَا يَعْدُوهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَأْخُذَ فِي نَفْسِهِ بِهَذَا؛ لِأَنَّ قَدْ شُهِرَتْ بِالْخِلَافَةِ وَالتَّقَدُّمِ فِي الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>