للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُقُوفُ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْمَقَابِرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقُبُورَ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا قَالَ مَالِكٌ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ الْقُعُودِ عَلَى الْقُبُورِ فِيمَا نَرَى لِلذَّاهِبِ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا أُمَامَةَ بْنَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ يَقُولُ كُنَّا نَشْهَدُ الْجَنَائِزَ فَمَا يَجْلِسُ آخَرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا) .

ــ

[المنتقى]

[الْوُقُوفُ لِلْجَنَائِزِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْمَقَابِرِ]

(ش) : قَوْلُهُ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الْقِيَامِ» وَالْجُلُوسِ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ.

وَالثَّانِي: لِمَنْ يَتْبَعُهَا فَهَلْ يَقُومُ لَهَا حَتَّى تُوضَعَ؟

فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقِيَامُ لَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ:

رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ» .

ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ عَلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ «أَنَّهُ جَلَسَ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُومُ» اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّ جُلُوسَهُ نَاسِخٌ لِقِيَامِهِ وَاخْتَارُوا أَنْ لَا يَقُومَ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّوْسِعَةِ وَإِنَّ الْقِيَامَ فِيهِ أَجْرٌ وَحُكْمُهُ بَاقٍ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي فِيهِ، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ.

(ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَتَوَسَّدُ عَلَى الْقُبُورِ وَيَضْطَجِعُ عَلَيْهَا وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الْجُلُوسِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءُ فِي مَنْعِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابِهِ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» فَتَأَوَّلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقُبُورِ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْجُلُوسَ عَلَيْهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ زَارَ الْقُبُورَ وَأَبَاحَ زِيَارَتَهَا» وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَيْهَا عِنْدَ الدَّفْنِ فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِعْلِهِ.

(ش) : قَوْلُهُ فَمَا يَجْلِسُ آخَرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاعَ بِالْجِنَازَةِ مَشْرُوعٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ حَتَّى يُؤْذَنُوا يُرِيدُ يُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ حَتَّى يُؤْذَنَ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَبْنُونَ الْقُبُورَ، وَإِنَّمَا كَانَ إدْلَاؤُهُ وَرَدُّ التُّرَابِ، وَهَذَا لَا يَلْبَثُ النَّاسُ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا يَجْلِسُ آخِرُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْذَنُوا وَلَا يُقَالُ آخِرُ النَّاسِ فِيمَنْ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَانْتَظَرَ أَنْ يُؤْذَنَ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَنْ يَأْتِي بَيْنَ يَدَيْ الْجِنَازَةِ فَيَصِلُ أَوَّلُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ آخِرُهُمْ فَرُبَّمَا لَمْ يَجْلِسْ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يُدْرِكَ آخِرُهُمْ فَتُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَيُؤْذَنُوا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّرَبُّصِ حَتَّى يُدَلَّى فِي الْقَبْرِ وَيُرَدَّ التُّرَابُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُدَّةٍ يَجْلِسُ فِيهَا أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ إنْ صَحَّ أَنْ يُوصَفُوا بِأَوَّلٍ وَآخِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ فِيهَا جَمِيعُ النَّاسِ إلَّا مَنْ يَتَنَاوَلُ دَفْنَهُ أَوْ يَتَكَلَّفُ الْقِيَامَ مُدَّةً طَوِيلَةً إلَى أَنْ يَتِمَّ أَمْرُهُ، وَأَمَّا الِانْقِلَابُ عَنْهَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنٍ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْهَا إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجِنَازَةِ لَوْ شَاءُوا أَنْ يُمْسِكُوا النَّاسَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمْ يُعْتَبَرْ بِإِذْنِهِمْ فِي انْصِرَافِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ الْإِمْسَاكُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِذْنِهِ كَسَائِرِ النَّاسِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا بَأْسَ بِالِانْصِرَافِ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ دَفْنُهَا إذَا بَقِيَ مَعَهَا مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيَنْصَرِفُ لِعِلَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>