للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» )

ــ

[المنتقى]

[اشْتِرَاءُ الصَّدَقَةِ وَالْعَوْدُ فِيهَا]

(ش) : قَوْلُهُ حَمَلْت عَلَى فَرَسٍ عَتِيقٍ وَاحِدُ الْعَتَاقِ مِنْ الْخَيْلِ وَهِيَ الْكِرَامُ السَّابِقَةُ مِنْهَا وَالْحَمْلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ مَنْ فِيهِ النَّجْدَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ فَيَهَبَهُ لَهُ وَيُمَلِّكَهُ إيَّاهُ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ نَجْدَتِهِ وَنِكَايَتِهِ لِلْعَدُوِّ فَهَذَا يَمْلِكُهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ دَفَعَهُ إلَى مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ مُوَاظَبَةَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ التَّحْبِيسِ لَهُ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا لَيْسَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ لَهُ إزَالَتُهُ عَنْهُ مَعَ السَّلَامَةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ خَالِدًا احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي كِتَابِ الْأَوْقَافِ وَالْحَبْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَانَ الرَّجُلُ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ قَدْ أَضَاعَهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَضَاعَهُ مِنْ الْإِضَاعَةِ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْقِيَامَ عَلَيْهِ وَيَبْعُدُ مِثْلُ هَذَا فِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُوجِبَ هَذَا عُذْرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ صَيَّرَهُ ضَائِعًا مِنْ الْهَزْلِ لِفَرْطِ مُبَاشَرَةِ الْجِهَادِ بِهِ وَلِإِتْعَابِهِ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَأَرَدْت أَنْ أَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَظَنَنْت أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ وَهَبَهُ إيَّاهُ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْهُ وَأَنْ يَسْتَرْخِصَهُ لِضَيَاعِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ حَبْسًا فَظَنَّ أَنَّ شِرَاءَهُ جَائِزٌ وَبَيْعُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ لَهُ مُبَاحٌ حَتَّى مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الضَّيَاعِ مَبْلَغًا يَعْدَمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي حَبَسَهُ فِيهِ فَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يُبِيحُ لَهُ شِرَاءَهُ.

(فَرْعٌ) وَضَيَاعُ الْخَيْلِ الْمُوقَفَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرْجَى صَلَاحُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجِهَادِ كَالضَّعْفِ وَالْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ بُرْؤُهُ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنْ يُسْتَبَاحَ لَهُ بَيْعُهُ الثَّانِي الْكَلَبُ وَالْهَرَمُ وَالْمَرَضُ الَّذِي لَا تُرْجَى إفَاقَتُهُ فَهَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا عَدِمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي وُقِفَ لَهُ وَلَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جَازَ بَيْعُهُ وَوَضْعُ ثَمَنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا عُدِمَ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ نُقِلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ مِنْهُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ مُخْرَجٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَبْسِ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَالْأُصُولِ الثَّابِتَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْقُبْحِ وَالْكَرَاهِيَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَائِدِ فِي أَكْلِ مَا قَدْ قَاءَ بَعْدَ أَنْ قَبُحَ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالِ الطَّعَامِ إلَى حَالِ الْقَيْءِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ قَدْ أَخْرَجَ فِي صَدَقَتِهِ أَوْسَاخَ مَالِهِ وَمَا يُدَنِّسُهُ فَلَا يَرْتَجِعُهُ إلَى مِلْكِهِ بَعْدَ أَنْ تَغَيَّرَ بِصَدَقَتِهِ وَيُغَيِّرُهَا فِي مَالِهِ لِمَعْنَى الْفَسَادِ فِيهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْكَلْبِ وَأَخْلَاقِهِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا وَيُكْرَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَفِي هَذَا خَمْسَةُ أَبْوَابٍ:

الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ.

وَالْبَابُ الثَّانِي: فِي صِفَةِ الْعَطِيَّةِ فِي نَفْسِهَا.

وَالْبَابُ الثَّالِثُ: فِي صِفَةِ الْمُعْطَى.

وَالْبَابُ الرَّابِعُ: فِي صِفَةِ الِارْتِجَاعِ.

وَالْبَابُ الْخَامِسُ: فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي وَجْهِ الْعَطِيَّةِ] ١

أَمَّا وَجْهُ الْعَطِيَّةِ فَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ التَّطَوُّعِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِرْجَاعُ صَدَقَتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْعَائِدُ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» وَأَمَّا إنْ كَانَتْ عَطِيَّةً عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ فِي الَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الْفَرَسِ لَا لِلسَّبِيلِ وَلَا لِلْمَسْكَنَةِ لَا بَأْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>