للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ» )

ــ

[المنتقى]

نَظَرٌ لِأَنَّ النَّسْخُ لَا يَكُونُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّ النَّسْخَ كَانَ بَعْدَ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ النَّسْخِ إجْمَاعُ الْأَئِمَّةِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْهُ وَالْمَنْعِ مِنْ إمَامَةِ الْجَالِسِ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَاجُ أَنْ يَثْبُتَ عَنْهُمْ ثُبُوتًا شَائِعًا مَعَ عَدَمِ الْمُخَالِفِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا.

(فَرْعٌ) فَإِذَا ائْتَمَّ الْوَاقِفُ بِالْجَالِسِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَاعِدٌ قِيَامًا فَإِنْ أَمَّهُمْ أَعَادُوا فِي الْوَقْتِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَهَذَا عِنْدِي عَلَى رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَضْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ]

(ش) : مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ أَحَدِكُمْ وَهُوَ قَاعِدٌ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ» يُرِيدُ أَجْرُ صَلَاةِ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ صَلَاةِ الْقَائِمِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَتَبَعَّضُ فَلَا يَصِحُّ نِصْفُهَا دُونَ سَائِرِهَا وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ عَامًّا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ يُصَلِّيهَا الْقَاعِدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهِيَ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ إلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ بَعْضُ الصَّلَوَاتِ وَبَعْضُ الْحَالَاتِ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ مِنْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: ٢٣٨] وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوبُ الْقِيَامِ.

وَرُوِيَ عَنْ «عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» فَخَصَّ بِهَذَا الْخَبَرِ مِنْ الْآيَةِ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ وَبَقِيَتْ الْآيَةُ عَلَى عُمُومِهَا فِي الْمُسْتَطِيعِينَ وَقَدْ ثَبَتَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَرْوِيِّ بَعْدَ هَذَا جَوَازُ الْجُلُوسِ فِي التَّنَفُّلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَخُصَّتْ بِذَلِكَ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَبَقِيَتْ عَامَّةً فِي الْمُسْتَطِيعِينَ الْقِيَامَ فِي الْفَرِيضَةِ وَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: مَنْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ غَيْرَ مُسْتَطِيعِ الْقِيَامِ.

وَالثَّانِيَةِ: مَنْ صَلَّى النَّافِلَةَ مُسْتَطِيعًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْقَاعِدِ مِثْلُ نِصْفِ صَلَاةِ الْقَائِمِ إنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُصَلُّوا قِيَامًا إلَّا أَنَّ الْقُعُودَ كَانَ أَرْفَقَ بِهِمْ فَأَمَّا مَنْ أَقْعَدَهُ الْمَرَضُ وَالضَّعْفُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ قَاعِدًا فِي الثَّوَابِ مِثْلُ صَلَاتِهِ قَائِمًا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَمَا ذَكَرْته عِنْدِي أَظْهَرُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي النَّوَافِلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى حَالِ الْجُلُوسِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى حَالِ الْقِيَامِ وَهَذَا التَّخْصِيصُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَفِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: فِي وَصْفِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ جَالِسًا.

وَالثَّانِيَةُ: فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ.

فَأَمَّا مَنْ تَجُوزُ لَهُ صَلَاةُ الْفَرِيضَةِ قَاعِدًا فَهُوَ الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ بِحَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ لَا يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ صَلَّى جَالِسًا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ فِي السَّفِينَةِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْدَحَ عَيْنَيْهِ وَيُصَلِّي جَالِسًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ الْقِيَامِ يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ جَالِسًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>