للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ إلَّا أَنْ تَعِيبَ الْوَجْهَ فَيُزَادَ فِي عَقْلِهَا مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَقْلِ نِصْفِ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ فَيَكُونَ بِهَا خَمْسٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا) .

ــ

[المنتقى]

لِمَا نَقَصَ مِنْ الْبَصَرِ، وَلَوْ كَانَتْ الشَّجَّةُ يَجِبُ بِهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَالْمُوضِحَةِ فِي الْحَاجِبِ لَكَانَ أَرْشُهَا مَعَ دِيَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْبَصَرِ؛ لِأَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ أَمْرٌ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ غَنِيٌّ عَنْ الِاجْتِهَادِ فَلَمْ يَكُنْ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ، وَذَلِكَ إنَّ الْحَاجِبَ عُضْوٌ غَيْرُ الْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْبَصَرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً أَوْ فِيهَا بَيَاضٌ، وَقَالَ ذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ قَلَّ ذَلِكَ فِي عَيْنِهِ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَيُشَارُ إلَى عَيْنَيْهِ أَوْ إلَى الْعَيْنِ الَّتِي يُدَّعَى ذَلِكَ فِيهَا، وَإِنْ لَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ حَلَفَ، وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى مَعْرِفَةِ صِدْقِهِ إلَّا بِمِثْلِ هَذَا أَوْ مَا جَرَى مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي مِثْلُهُ يَحْدُثُ هَذَا يَشْهَدُ لَهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ كَذِبُهُ بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِ بَطَلَتْ دَعْوَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ وَلَوْ ضُرِبَ فَادَّعَى أَنَّ جِمَاعَ النِّسَاءِ ذَهَبَ مِنْهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُخْتَبَرَ اُخْتُبِرَ، وَإِلَّا حَلَفَ، وَأَخَذَ الدِّيَةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ بِقُرْبِ ذَلِكَ أَوْ بِبَعْدِهِ رَدَّ مَا أَخَذَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَقْدِرُ أَنْ يُعْرَفَ بِالْبَيِّنَةِ مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ ذَهَابَ كَلَامِهِ أَوْ سَمْعِهِ مَعَ بَقَاءِ الْجَارِحَةِ فَلْيُخْتَبَرْ ثُمَّ يَحْلِفْ وَيَأْخُذْ الدِّيَةَ، ثُمَّ إنْ رَجَعَ ذَلِكَ إلَيْهِ رَدَّ مَا أَخَذَ، وَإِنْ بَعُدَ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.

[مَا جَاءَ فِي عَقْلِ الشِّجَاجِ]

(ش) : قَوْلُ سُلَيْمَانَ أَنَّ الْمُوضِحَةَ فِي الْوَجْهِ مِثْلُ الْمُوضِحَةِ فِي الرَّأْسِ يَدُلُّ أَنَّ لَهَا مِثْلَ حُكْمِهَا يَجِبُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْمُوضِحَةِ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ مَا أَوْضَحَ عَنْ الْعَظْمِ وَأَظْهَرَهُ بِوُصُولِ الشَّجَّةِ إلَيْهِ وَقَطَعَ مَا دُونَهُ مِنْ لَحْمٍ وَجِلْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرُهُ، وَهَذَا مَوْجُودٌ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ إلَّا أَنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ الَّذِي قَدَّرَهُ الشَّرْعُ بِنِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ سَوَاءٌ عَظُمَتْ الْمُوضِحَةُ أَوْ صَغُرَتْ إنَّمَا يَخْتَصُّ بِمُوضِحَةِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْعَظْمَ وَاحِدٌ، وَهُوَ جُمْجُمَةُ الرَّأْسِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَكُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ الرَّأْسِ فِي الْمُوضِحَةِ، وَحَدُّ ذَلِكَ مُنْتَهَى الْجُمْجُمَةِ فَإِنْ أَصَابَ أَسْفَلَ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ الْعُنُقِ لَا مُوضِحَةَ فِيهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ كُلُّ مَا لَوْ نَفَذَ مِنْهُ وَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ فَهُوَ مِنْ الرَّأْسِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطَرَ يَعْظُمُ بِوُصُولِ الْجُرْحِ إلَى ذَلِكَ الْعَظْمِ دُونَ سَائِرِ عِظَامِ الْجَسَدِ فَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ مُوضِحَتُهُ بِهَذَا الْحُكْمِ فَإِذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ الْمُوضِحَةُ فَإِنَّمَا تَنْطَلِقُ عَلَى الْمُوضِحَةِ الَّتِي يَثْبُتُ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ، وَلَا تَكُونُ إلَّا فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ الْمُوضِحَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ مِنْ اللَّحْيِ الْأَعْلَى وَمَا فَوْقَهُ، وَلَيْسَ فِي الْأَنْفِ وَلَا فِي اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ مُوضِحَةٌ، وَفِيهَا الِاجْتِهَادُ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْخَدِّ الْمُوضِحَةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ عَقْلٌ يَخْتَصُّ بِهَا لِوُصُولِ الشَّجَّةِ إلَى ذَلِكَ الْعَظْمِ فَأَمَّا إذَا بَرِئَتْ عَلَى شَيْنٍ، وَهُوَ قُبْحُ الْأَثَرِ فَإِنَّهُ يُزَادُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ بِقَدْرِ مَا شَأْنُهُ بِالِاجْتِهَادِ شَأْنُهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَلَمْ يَأْخُذْ مَالِكٌ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ يُزَادُ فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ نِصْفِ عَقْلِهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَمَا سَمِعْت أَنَّ غَيْرَهُ قَالَهُ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يُزَادُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مُنْكَرًا فَيُزَادَ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يُزَادُ لِشَيْنِهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا دِيَةً مُوضِحَةً وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْوَجْهَ يَخْتَصُّ بِقُبْحِ الْمَنْظَرِ دُونَ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَأْثِيرٌ فِي الْعَمَلِ كَاَلَّذِي فِي سَائِرِ الْجَسَدِ، وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ عَقْلُ الْمُوضِحَةِ بِالشَّجَّةِ وَوُصُولِهَا إلَى عَظْمِ الدِّمَاغِ فَأَمَّا الشَّيْنُ فَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى أَزْيَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>