للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً قَالَ وَالْمُنَقِّلَةُ الَّتِي يَطِيرُ فِرَاشُهَا مِنْ الْعَظْمِ، وَلَا يَخْرِقُ إلَى الدِّمَاغِ، وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ فِي الْوَجْهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَالْجَائِفَةَ لَيْسَ فِيهِمَا قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ وَالْمَأْمُومَةُ مَا خَرَقَ الْعَظْمَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَا تَكُونُ الْمَأْمُومَةُ إلَّا فِي الرَّأْسِ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ لَيْسَ فِي الْمَأْمُومَةِ قَوَدٌ قَالَ مَالِكٌ، وَمَا يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ إذَا خَرَقَ الْعَظْمَ) .

ــ

[المنتقى]

بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّ دِيَةَ الْمُوضِحَةِ مُقَدَّرَةٌ لَا تَخْتَلِفُ بِصِغَرِهَا وَلَا كِبَرِهَا فَلَا تَخْتَلِفُ بِقُبْحِ أَثَرِهَا كَمُوضِحَةِ الرَّأْسِ.

(ش) : وَقَوْلُهُ إنَّ فِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَرِيضَةً يُرِيدُ خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ فَالْفَرِيضَةُ مَعْنَاهَا الْوَاحِدُ مِمَّا يَجِبُ بِهِ الْعَقْلُ مِنْ الْإِبِلِ، وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَهِيَ مِنْ الشِّجَاجِ مَا خَرَجَ مِنْهَا عَظْمٌ بِكَسْرِ الشَّجَّةِ لَهُ، وَبَقِيَ سَائِرُ الْعَظْمِ الْمَشْجُوجِ، وَأَقَلُّهُ أَنْ يَظْهَرَ فِرَاشُ الْعَظْمِ، وَهُوَ أَعْلَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَهِيَ تَكُونُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْعَظْمِ دُونَ غَيْرِهَا كَالْمُوضِحَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُنَقِّلَةُ مِنْ جِهَةِ وَضْعِ اللُّغَةِ مَوْجُودَةً فِي غَيْرِهَا مِنْ الْأَعْضَاءِ، وَأَمَّا الْهَاشِمَةُ فَهِيَ الَّتِي تُهَشِّمُ الْعَظْمَ، وَلَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الْعَظْمِ صَارَتْ مُنَقِّلَةً.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمَأْمُومَةَ وَهِيَ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا إلَى الدِّمَاغِ قَدْرُ مَغْرَزِ إبْرَةٍ فَأَكْثَرَ، وَالْجَائِفَةُ، وَهِيَ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا إلَى الْجَوْفِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا قَوَدٌ، وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا رَبِيعَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ مَعْنَى الْقِصَاصِ أَنْ يَحْدُثَ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا جَنَى، وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ هَذِهِ الْجِنَايَةِ أَنَّهَا لَا تَقِفُ عَلَى مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَلْ تُؤَدَّى إلَى النَّفْسِ لَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ فِيهَا؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْقِصَاصِ قَصْدٌ إلَى إتْلَافِ النَّفْسِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ إلَّا فِيمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَكَسْرِ الْفَخِذِ وَلَا قَوَدَ فِي كَسْرِ الصُّلْبِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي عِظَامِ الْعُنُقِ وَالْفَخِذِ وَالصُّلْبِ وَشِبْهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَتَالِفِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ الْقَوَدُ فِي اللِّسَانِ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ الْقَوَدُ مِنْهُ، وَلَا يَخَافُ وَإِنْ كَانَ مُتْلِفًا فَلَا قَوَدَ فِيهِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنْ لَا قَوَدَ فِي الْمَخُوفِ، وَاللِّسَانُ عِنْدِي مَخُوفٌ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى إمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنْ تَأَتَّتْ فِيهِ، وَلَمْ يَعْظُمْ الْخَوْفُ عَلَى النَّفْسِ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ عَظُمَ الْخَوْفُ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ، وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ الْهَلَاكُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ جُرْحٍ كَمَا لَا يَجِبُ الْقَتْلُ، وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِصَاصُ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمِثْلِ وَالْعِلْمِ بِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمُوصَلِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ مِثْلُ جُرْحِ اللِّسَانِ الْمُذْهِبِ لِبَعْضِ الْكَلَامِ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ عَضَّ لِسَانَ رَجُلٍ فَقَطَعَ مِنْهُ مَا مَنَعَهُ الْكَلَامَ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ، وَقَدْ نَقَصَ كَلَامُهُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا قَوَدَ فِيهِ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَذْهَبَ مِنْ كَلَامِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَجَمِيعُ الْكَلَامِ، وَمَنْ ضَرَبَ عَيْنَ رَجُلٍ فَابْيَضَّتْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لَا قَوَدَ فِي الْبَيَاضِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ كَانَ أَصَابَهُ بِعَصًا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَشَجَّهُ مُوضِحَةً فَإِنَّهُ يُسْتَقَادُ لَهُ مِنْهُ، وَإِنْ ابْيَضَّتْ عَيْنُهُ، وَإِلَّا فَفِيهَا الْعَقْلُ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَهُ بِمَا لَا قَوَدَ فِيهِ كَاللَّطْمَةِ أَوْ الضَّرْبَةِ بِعَصًا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدْمَى فَإِنْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهُ أُقِيدَ لَهُ مِنْ عَيْنِهِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ تَنْخَسِفْ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَقْلُهَا.

وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَجْمُوعَةِ لَا قَوَدَ فِي الْعَيْنِ إلَّا أَنْ تُصَابَ كُلُّهَا فَإِنْ أُصِيبَ بَعْضُهَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلَا قَوَدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى حَدٍّ، وَالسَّمْعُ لَا قَوَدَ فِي جَمِيعِهِ، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>