للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ، فَأَمَّا بَيْعُ الْعَقَارِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِبَيْعِهَا فِي السَّفَرِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا الْعُدُولُ وَكَذَلِكَ مَا شَهِدَ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ الضَّرْبَ كَالسَّرِقَةِ وَالتَّلَصُّصِ وَالزِّنَا وَالْغَصْبِ الْمُوجِبِ لِلضَّرْبِ فَلَا يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَهْلُ الْعَدَالَةِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ التَّوَسُّمِ فِي الْأَمْوَالِ لِصَلَاحِ السَّفَرِ وَاتِّصَالِ السُّبُلِ، وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: ٨٢] ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا تَدْعُو إلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي السَّفَرِ مِنْ قَبُولِ أَهْلِ الرُّفْقَةِ وَمَنْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِيهَا غَيْرُهُمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا يُقْبَلُونَ عَلَى التَّوَسُّمِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَوَسَّمَ فِيهِمْ الْحَاكِمُ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ زَادَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْمُرُوءَةَ وَالْعَدَالَةَ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ تَجْرِيحِهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ اجْتَرَأَ عَلَى غَيْرِ الْعَدَالَةِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ تَجْرِيحِهِ كَالصِّبْيَانِ، وَإِنْ ارْتَابَ السُّلْطَانُ رِيبَةً قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الرِّيبَةِ قَطْعَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ جَلْدَ ظَهْرٍ فَلْيَتَوَقَّفْ وَيَتَثَبَّتْ فِي تَوَسُّمِهِ فَإِنْ ظَهْرَ لَهُ نَفْيُ تِلْكَ الرِّيبَةِ وَإِلَّا أَسْقَطَهُمْ، وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ عَدَدٌ لَا تَوَسُّمَ إنَّ الَّذِينَ قُبِلُوا بِالتَّوَسُّمِ عَبِيدٌ أَوْ مَسْخُوطُونَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِمْ وَيَكْشِفُ عَنْهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْضُ مَا قِيلَ أَمْسَكَ عَنْ إمْضَاءِ شَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ حَكَمَ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا تَرَدُّدَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا عَلَى صِفَةٍ تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ.

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ] ١

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا تَنَاوَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ مَا لَا يُعْدَمُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْعَدْلِ فِيهِ غَالِبًا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا إلَّا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ تَعْدِيلُ الشُّهَدَاءِ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ سُمِّيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُسَمَّ وَفِي ذَلِكَ خَمْسَةُ أَبْوَابٍ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْمُزَكَّى وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْنَى الْعَدَالَةِ وَمَا يَلْزَمُ الْمُزَكَّى مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي لَفْظِ التَّزْكِيَةِ وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَكْرَارِ التَّعْدِيلِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْهُ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي عَدَدِ الْمُزَكِّينَ) وَذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ تَزْكِيَةٌ عَلَانِيَةٌ وَتَزْكِيَةٌ سِرِّيَّةٌ، فَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَفِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْزِئُ فِي التَّزْكِيَةِ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَهَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ لَا يَعْدِلُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ فِي تَعْدِيلِهِمْ مَا يَجُوزُ فِي تَعْدِيلِ غَيْرِهِمْ اثْنَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ أَرْبَعَةٌ لِجَمِيعِهِمْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْحَاكِمِ رَجُلٌ عَرَفَ دِينَهُ وَفَضْلَهُ وَمَيَّزَهُ وَتَحَرُّزَهُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ سِوَى الْحَاكِمِ فَيَبْحَثُ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ وَيَكْتَتِمُ بِذَلِكَ، فَإِذَا كَلَّفَهُ الْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّفَ لَهُ حَالَ شَاهِدٍ تَسَبَّبَ إلَى ذَلِكَ بِالْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ ثُمَّ يُعْلِمُ الْحَاكِمَ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذِهِ تَزْكِيَةُ السِّرِّ.

(فَرْعٌ) وَكَمْ عَدَدُ الْمُزَكِّينَ فِي السِّرِّ فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ الْعَدْلُ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا أُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ فِي السِّرِّ أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْنِ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا يُقْبَلُ فِي السِّرِّ إلَّا اثْنَانِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْحَاكِمِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ انْفِرَادَهُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهَا شَهَادَةٌ فِي تَعْدِيلٍ كَتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْأَفْضَلُ فِي التَّعْدِيلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَفَى بِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ تَعْدِيلِ السِّرِّ، وَقَدْ يُجْزِي تَعْدِيلُ السِّرِّ عَنْ تَعْدِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>