للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَى الْمَشْرِقِ يَقُولُ: هَا إنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا إنَّ الْفِتْنَةَ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» ) .

ــ

[المنتقى]

لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَانَ لِلْحَجَّامِينَ سُوقٌ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْلَا أَنْ يَأْنَفَ رِجَالٌ لَأَخْبَرْتُك بِآبَائِهِمْ كَانُوا حَجَّامِينَ قَالَ اللَّيْثُ وَسَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ فَقَالَ: رَأَيْت النَّاسَ فِيمَا مَضَى يَأْكُلُونَهُ بِكُلِّ أَرْضٍ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا نَهَتْهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا يَعَافُهُ مَنْ تَنَزَّهَ عَلَى وَجْهِ التَّكَرُّمِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَتَنَزَّهُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَيِّصَةُ إنَّمَا كَرَّرَ السُّؤَالَ عَنْهُ اتِّقَاءَ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِذَلِكَ وَصْمَةٌ أَوْ مَعْنَى تَثَلُّمِ مُرُوءَتِهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى كَرَاهِيَةِ أَجْرِ الْحَجَّامِ وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَاحْتُجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ مَا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لِلْأَحْرَارِ كَأُجْرَةِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ كَسْبِهِ أَوْ بَعْضُهُ ثَمَنَ الدَّمِ وَبِأَنَّ بَيْعَ دَمِ مَا يَفْصِدُهُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ كَالْعَبْدِ يَبِيعُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ وَسَيِّدُهُ مُسْلِمٌ فَنُهِيَ عَنْ كَسْبِهِ إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ سَلَامَةُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ نَهْيٌ عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ وَأُجْرَةُ الْحَجَّامِ لَيْسَتْ بِثَمَنٍ لِلدَّمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ أُجْرَةً مَعْلُومَةً قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ غَالِبًا بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ وَهَذَا أَيْضًا لَا تَعَلُّقَ فِيهِ إلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الصَّانِعُ إلَّا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مُسَمًّى وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَمَلِ بِالْقِيمَةِ فَقَالَ لَا أُحِبُّهُ وَلَا يَصْلُحُ فِي جُعْلٍ وَلَا إجَارَةٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ يُرِيدُ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ عَقْدُ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ فَأَمَّا إذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ فَلَا بَأْسَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ لِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُنِي أَسَتَخِيطُهُ الثَّوْبَ فَإِذَا فَرَغَ رَاضَيْته عَلَى أُجْرَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمُشَارَطَةِ الْحَجَّامِ عَلَى الْحِجَامَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ يُرِيدُ أَنَّ مُحَيِّصَةُ كَرَّرَ سُؤَالَهُ وَاسْتِئْذَانَهُ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُ إلَّا مَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ ثُمَّ لَا يَتَيَقَّنُ تَوَقِّيَهُ فَهُوَ لَا يَعْلَمُ سَلَامَتَهُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَعْلِفَهُ نَاضِحَهُ.

وَقَالَ الْخَلِيلُ النَّاضِحُ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْقَى الْمَاءَ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ النَّاضِحُ الرَّقِيقُ وَيَكُونُ فِي الْإِبِلِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى الرَّقِيقِ وَلِذَلِكَ قَالَ مَا جَازَ لِلْعَبِيدِ أَكْلُهُ جَازَ لِلْأَحْرَارِ أَكْلُهُ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَهُوَ يُشِيرُ إلَى الْمَشْرِقِ: هَا إنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ هُنَاكَ يَكُونُ مُعْظَمُهَا وَابْتِدَاؤُهَا أَوْ يُشِيرُ إلَى فِتْنَةٍ مَخْصُوصَةٍ يُحَذِّرُ مِنْهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ حِزْبَهُ وَأَهْلَ وَقْتِهِ وَزَمَنِهِ وَالْقَرْنُ مِنْ النَّاسِ أَهْلُ زَمَانٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قُوَّتَهُ وَسِلَاحَهُ وَعَوْنَهُ عَلَى الْفِتْنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْعِرَاقِ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ بِهَا تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ) .

(ش) : قَوْلُهُ: إنَّ فِي الْعِرَاقِ تِسْعَةَ أَعْشَارِ السِّحْرِ يُحْتَمَلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ السِّحْرَ كَانَ مُعْظَمُهُ بِبَابِلَ وَهِيَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فَأَخْبَرَ أَنَّ مُعْظَمَهُ هُنَاكَ وَقَوْلُهُ وَبِهَا فَسَقَةُ الْجِنِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَجَدَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الَّتِي قَرَأَهَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُعْلَمُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَقَوْلُهُ وَبِهَا الدَّاءُ الْعُضَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>