للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ فِي السَّلَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ أَحَدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ»

ــ

[المنتقى]

الْإِكْثَارَ مِنْهَا يُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهَا يُؤَدِّي غَالِبًا إلَى كَثِيرِهَا فَيَجِبُ حَسْمُ الْبَابِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَعِبَ بِهَا قِمَارًا مَرَّةً وَاحِدَةً لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ مَحَاسِنُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَسَاوِيهِ وَلَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ كَبِيرَةٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّ هَذَا قِمَارٌ مُحَرَّمٌ وَعَمَلٌ بَاطِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ الشَّهَادَةَ كَالْمَيْسِرِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَعِبَ بِهَا عَلَى غَيْرِ الْقِمَارِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ أَدْمَنَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إدْمَانٌ لِلْبَاطِلِ وَمَا لَا يَخْلُو الْمُدْمِنُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ الْحَانِثَةِ وَالِاشْتِغَالِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ الصَّلَاةِ بِلَهْوٍ كَاِتِّخَاذِ الْأَغَانِي وَالْقِيَانِ فَأَمَّا مَنْ لَعِبَ بِهِ فِي النَّادِرِ فَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْمَسْأَلَةُ فِي الشَّهَادَاتِ مَا هُوَ أَوْعَبُ مِنْ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[الْعَمَلُ فِي السَّلَامِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» مَعْنَاهُ يَبْدَؤُهُ بِالسَّلَامِ ثُمَّ يُجِيبُهُ الْآخَرُ فَيَرُدُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ فَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ فَمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ سُوَيْد بْنِ مُقَرِّنٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَمَرَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ وَافَشَاءِ السَّلَامِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الرَّدُّ فَلِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ فِي السَّلَامِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ تَعَيَّنَ حَقُّ الْمُسَلِّمِ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ بِمَا بَدَأَ بِهِ مِنْ السَّلَامِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ الْمُسَلِّمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَقُولُ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقُولَ الرَّادُّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ لِنَفَرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٍ فَاسْمَعْ مَا يُحَيُّونَك بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُك وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِك، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ؛ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللَّهِ» وَهَذَا الَّذِي وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ٥٤] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» يُرِيدُ أَنَّهُ شُرِعَ فِي حَقِّهِ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا تَسَاوَيَا فِي الْمُرُورِ سَلَّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي؛ لِأَنَّهُ أَرْفَعُ حَالًا مِنْهُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فَتَرْكُهُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ فَضُلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ بَابِ الْكِبْرِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَالِسًا وَالْآخَرُ مَارًّا سَلَّمَ الْمَارُّ عَلَى الْجَالِسِ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْمُرُورِ وَالِالْتِقَاءِ بَدَأَ بِالسَّلَامِ مَنْ كَانَ حَقُّهُ أَقَلَّ عَلَى مَنْ كَانَ حَقُّهُ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ بَابِ الدِّينِ وَالْفَضْلِ.

رَوَى ثَابِتٌ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَيُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ الْقَوْمِ وَاحِدٌ أَجْزَأَ عَنْهُمْ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ بَعْضٍ وَأَنَّ رَدَّ السَّلَامِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَإِنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُلْزِمُ جَمِيعَهُمْ الرَّدَّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ، وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>