للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَامِعُ الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَالَتْ «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي فَقَالَ: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ» ) .

ــ

[المنتقى]

الدَّلِيلِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِدَمٍ وَلَا أَمَرَهَا بِالْمَقَامِ لَهُ وَهَذَا وَقْتُ تَعْلِيمٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنًى لَمْ يَجِبْ الدَّمُ بِفَوَاتِهِ عَلَى الْحَائِضِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى غَيْرِهَا أَصْلُ ذَلِكَ التَّحْصِيبُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ مَنْ أَفَاضَ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُفِضْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ.

وَالثَّانِيَ: أَنْ يُرِيدَ إذَا كَانَ قَدْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ.

وَأَمَّا مَنْ أَفَاضَ بَعْدَ النَّحْرِ وَاتَّصَلَ خُرُوجُهُ بِإِفَاضَتِهِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافُ وَدَاعٍ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ يُجْزِئُ عَنْهُ وَيَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ الطَّوَافُ، وَأَمَّا طَوَافُ الْوَدَاعِ لِمَنْ قَدَّمَ الْإِفَاضَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ لِمَنْ أَقَامَ بَعْدَ النَّحْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَا يَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إلَّا بِطَوَافِ الْوَدَاعِ.

[جَامِعُ الطَّوَافِ]

(ش) : قَوْلُهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي أَشْتَكِي» يُرِيدُ أَنَّهَا شَكَتْ إلَيْهِ أَنَّهَا لَا تُطِيقُ الطَّوَافَ مَاشِيَةً لِضَعْفِهَا مِنْ تِلْكَ الشَّكْوَى الَّتِي كَانَتْ بِهَا فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَطُوفَ مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ رَاكِبَةً وَفِي هَذَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

إحْدَاهَا: وُجُوبُ الْمَشْيِ فِي الطَّوَافِ.

وَالثَّانِيَةُ: جَوَازُ الطَّوَافِ مَحْمُولًا لِلْعُذْرِ.

وَالثَّالِثَةُ: الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِ عُذْرٍ.

وَالرَّابِعَةُ: طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا وُجُوبُ الْمَشْيِ فَسَيَأْتِي وَأَمَّا جَوَازُ الطَّوَافِ لِلرَّاكِبِ وَالْمَحْمُولِ لِلْعُذْرِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا، فَإِنْ كَانَ رَاكِبًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَاكِبَ بَعِيرٍ مِنْ غَيْرِ الْجَلَّالَةِ لِطَهَارَةِ بَوْلِهِ وَرَوْثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْدُوبًا فِي الْمَسْجِدِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَحْمُولًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الطَّائِفُ بِهِ لَا طَوَافَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ فَلَا يُصَلِّي عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَنْ طَافَ رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ لَا: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ لَا يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِذَلِكَ نَحْوًا مِمَّا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُعِيدُ طَوَافَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَبْعَثْ بِهَدْيٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَشْيَ وَاجِبٌ فِي الطَّوَافِ فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ مِنْ نُسُكِهِ وَاجِبًا فَكَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا طَوَافُ النِّسَاءِ مِنْ وَرَاءِ الرِّجَالِ فَهُوَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْبَعِيرِ فَقَدْ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى بَعِيرِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى اتِّصَالِهِ بِالْبَيْتِ لَكِنْ مَنْ طَافَ غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى بَعِيرٍ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إنْ خَافَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا أَنْ يَبْعُدَ قَلِيلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ زِحَامٌ وَأَمِنَ أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا فَلْيَقْرُبْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِهَا أَنْ تَطُوفَ وَرَاءَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ فَكَانَ مِنْ سُنَّةِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ وَرَاءَ الرِّجَالِ كَالصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُ أُمِّ سَلَمَةَ طَوَافًا وَاجِبًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَوَافَ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تُتْرَكُ فَضِيلَةٌ إلَّا لِمَشَقَّةٍ أَوْ فَوَاتِ أَصْحَابٍ وَلَيْسَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

«قَالَتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ يَقْرَأُ بِالطُّورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>