للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مُطِيعٍ فِي دَارٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَحْلِفْ لَهُ مَكَانِي قَالَ فَقَالَ مَرْوَانُ لَا وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ قَالَ فَجَعَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ فَجَعَلَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يَحْلِفَ أَحَدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ)

ــ

[المنتقى]

دُونَ مَنْ أَرَادَ الْعَفْوَ.

وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى - {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: ٦٥] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ فِي إسْمَاعِيلَ: {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} [مريم: ٥٤] فَوَصَفَ الْوَعْدَ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.

[جَامِعُ مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ]

(ش) : قَضَاءُ مَرْوَانَ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَكُنْ زَيْدٌ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهُ إعْظَامًا لَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، وَيَقُولُ أَخْشَى أَنْ يُوَافِقَ قَدَرًا فَيُقَالُ إنَّ ذَلِكَ لَيَمِينُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْيَمِينُ تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ فِي الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي آثِمًا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي الْأَيْمَانِ وَتَعَلُّقِهَا بِهَا، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ فِي الْغَالِبِ مُخْتَارًا فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى الْحُكْمِ بِهِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ التَّغْلِيظَ يَتَعَلَّقُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الْأَمْوَالِ لِلرَّدْعِ عَنْهَا كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ تُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ أَمْ لَا رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَتَحَرَّى بِأَيْمَانِهِمْ فِي الْمَالِ الْعَظِيمِ، وَفِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ السَّاعَاتِ الَّتِي يَحْضُرُ النَّاسُ فِيهَا الْمَسَاجِدَ، وَيَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَالٍ وَحَقٍّ فَفِي كُلِّ حِينٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ لَا يَحْلِفُ حِينَ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي الدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ فَأَمَّا فِي الْحُقُوقِ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ حَضَرَ الْإِمَامُ اسْتَحْلَفَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: قَوْله تَعَالَى {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا} [المائدة: ١٠٦] ، وَهَذِهِ يَمِينٌ فِي مَالٍ فَجَازَ أَنْ يُغَلَّظَ بِالزَّمَانِ كَاللِّعَانِ وَالْقَسَامَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

هَلْ تُغَلَّظُ الْأَيْمَانُ بِتَكَرُّرِ الصِّفَاتِ رَوَى ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ يَحْلِفُونَ فِيمَا يَبْلُغُ مِنْ الْحُقُوقِ رُبُعَ دِينَارٍ، وَفِي الْقَسَامَةِ وَاللِّعَانِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَا كَانَتْ فِيهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ حَلَفَ هَكَذَا وَمَا رُدِّدَتْ رُدِّدَتْ هَكَذَا، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونَ أَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْحُقُوقِ وَالدِّمَاءِ وَاللِّعَانِ، وَفِي كُلِّ مَا فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ سَوَاءٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا مَعْنًى تُغَلَّظُ بِهِ الْأَيْمَانُ فَجَازَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَثِيرَةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُسْتَوْعَبَ، وَلَيْسَ مَا نُورِدُ مِنْهَا بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا وَمَا يُغَلَّظُ بِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَلَهُ غَايَةٌ لَا تَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ بِبُلُوغِهَا وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى يَقْتَضِي التَّكْرَارَ فَلَمْ تُغَلَّظْ بِهِ الْأَيْمَانُ فِي الْأَمْوَالِ كَتَكْرَارِ الْيَمِينِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الَّذِي يُجْزِئُ مِنْ التَّغْلِيظِ بِالْيَمِينِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ فَإِنْ قَالَ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَوْ قَالَ وَاَللَّهِ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَمِينُ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>