للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ أَنْ يُصَامَ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ مِنْ شَعْبَانَ إذَا نَوَى بِهِ صِيَامَ رَمَضَانَ وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَى مَنْ صَامَهُ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ، ثُمَّ جَاءَ الثَّبَتُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَهُ وَلَا يَرَوْنَ بِصِيَامِهِ تَطَوُّعًا بَأْسًا قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا الْأَمْرُ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) .

ــ

[المنتقى]

شَعْبَانَ وَالشَّغْلُ الَّذِي كَانَ مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَإِمَّا التَّصْرِيفُ لَهَا فِي حَوَائِجِهِ وَحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ كَحَاجَتِهِ فِي غَيْرِهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي جَوَازَ تَأْخِيرِ الصَّوْمِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ شَعْبَانَ قَدْرُ مَا عَلَيْهَا مِنْ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَلَمَّا يَكُونُ الْمُؤَخِّرُ بِذَلِكَ مُفَرِّطًا وَلَوْ كَانَ مُفَرِّطًا لَمَا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ عَنْ أَوَّلِ إمْكَانِ الْقَضَاءِ كَمَا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ صَوْمِ رَمَضَانَ عَنْ زَمَنِ رَمَضَانَ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَيَّامِ رَمَضَانَ فَمَضَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِطْرِ عِدَّتُهَا مِنْ الْأَيَّامِ أَمْكَنَهُ فِيهَا صِيَامُهَا فَأَخَّرَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَهُ مَانِعٌ مَنَعَهُ الْقَضَاءَ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُفَرِّطٍ حِينَ فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ التَّأْخِيرِ هَذَا قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَرَوْنَهُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَفِي الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ كَانَ صَحِيحًا فَفَرَّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ حَتَّى مَرِضَ فَذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَيَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ.

وَأَمَّا مَنْ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَزَلْ مَرِيضًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يُفَرِّطُ حَتَّى يَمْرَضَ أَحَبُّ إلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ نَحْوُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ إنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي بَعْضِ الْعَامِ دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ مَعَ الْقَضَاءِ الْإِطْعَامُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي زَالَ فِيهَا عُذْرُهُ دُونَ غَيْرِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

الْأَعْذَارُ الَّتِي تُسْقِطُ الْإِطْعَامَ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ الْمُتَّصِلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يَكُونُ لِلزَّوْجِ جَبْرُ الْمَرْأَةِ عَلَى تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ إلَى شَعْبَانَ أَوْ لَا؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِاخْتِيَارِهَا؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهَا مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي لَزِمَهَا وَأَمَّا التَّنَفُّلُ فَإِنَّ لَهُ مَنْعَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا.

وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا بِإِذْنِهِ» .

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهَا حَتَّى إلَى شَعْبَانَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الزَّمَنِ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَقْتَضِي مُخَالَفَتَهُ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي يَصِحُّ فِيهَا قَضَاءُ رَمَضَانَ لِامْتِنَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمَا فِي شَعْبَانَ دُونَ غَيْرِهِ مَعَ تَسَاوِي الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقَضَاءِ غَيْرُ مَمْنُوعٍ قَبْلَ شَعْبَانَ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي شَعْبَانَ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا آخِرَ وَقْتِ الْقَضَاءِ لِغَيْرِ الْمُفَرِّطِ وَأَنَّ الْمُؤَخِّرَ يُعَدُّ مُفَرِّطًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ.

[صِيَامُ الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَهَوْهُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ وَيَرَوْنَ أَنَّ صِيَامَهُ لَا يُجْزِئُ مَنْ صَامَهُ إذَا ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ يُصَامُ احْتِيَاطًا فِي الْغَيْمِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم وَأَحْكَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصِيَامِهِ عَلَى وَجْهِ التَّطَوُّعِ وَالنَّفَلِ وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْمَدِينَةِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>