للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا تَنْعَقِدُ الْوِلَايَةُ لِلْحَاكِمِ الْفَاسِقِ، وَإِنْ طَرَأَ الْفِسْقُ بَعْدَ انْعِقَادِهَا انْفَسَخَتْ وِلَايَتُهُ وَفِي النَّوَادِرِ مِنْ كِتَابِ أَصْبَغَ أَنَّهُ يَجُوزُ حُكْمُ الْمَسْخُوطِ مَا لَمْ يَجُرْ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا يَطْرَأُ مِنْ الْفِسْقِ لَا يَفْسَخُ وِلَايَتَهُ حَتَّى يَفْسَخَهَا الْإِمَامُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ سَمِيعًا لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ دَعْوَى الْخُصُومِ وَسَمَاعِهِ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَلَيْسَ كُلُّ شَاهِدٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ فَيَعْرِضُهَا عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَكْتُبُ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيقِ الْحَالِ عَلَى النَّاسِ وَتَعَذُّرِ سَبِيلِ الْحُكْمِ وَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يَكْتُبُ حَاكِمًا، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا عَدْلًا؟ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ وَالْآخَرُ الْمَنْعُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ إمَامَ الْمُرْسَلِينَ وَأَفْضَلَ الْحُكَّامِ كَانَ لَا يَكْتُبُ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِرَاءَةِ الْعُقُودِ وَيَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعَدْلِ وَهَذِهِ حَالُ مَنْ لَا يَكْتُبُ مِنْ الْحُكَّامِ يُقْرَأُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فِي الْأَغْلَبِ وَيُقَيَّدُ عَنْهُ الْمَقَالَاتِ وَلَا يُبَاشِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّ لِلْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَجْهًا لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيقِ طُرُقِ الْحُكُومَةِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعْصُومٌ وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يُسْتَقْضَى وَلَدُ الزِّنَا؟ قَالَ سَحْنُونٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَقْضَى وَلَا يَحْكُمُ فِي حَدِّ زِنًا قَالَ كَمَا لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْضِعُ رِفْعَةٍ وَطَهَارَةِ أَحْوَالٍ فَلَا يَلِيهَا وَلَدُ الزِّنَا كَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَرَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ يُسْتَقْضَى الْفَقِيرُ إذَا كَانَ أَعْلَمَ مَنْ بِالْبَلَدِ وَأَرْضَاهُمْ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْلِسَ حَتَّى يَغْنَى وَيُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِي صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَقْرَ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي دِينِهِ وَلَا عِلْمِهِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُزَالَ حَاجَتُهُ لِيَتَفَرَّغَ لِلْقَضَاءِ وَلِيَكُونَ أَسْلَمَ لَهُ مِنْ مُقَارَفَةِ مَا يُخِلُّ بِحَالِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُسْتَقْضَى الْمَحْدُودُ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالْمَقْطُوعُ فِي السَّرِقَةِ إذَا كَانَ الْيَوْمَ مَرَضِيًّا مِنْ كِتَابِ أَصْبَغَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِمَّا يَمْنَعُ وِلَايَتَهُ قَدْ ظَهَرَ إقْلَاعُهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ حَسُنَ إسْلَامُهُ.

(فَرْعٌ) وَهَلْ يَحْكُمُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ جَوَّزَ ذَلِكَ أَصْبَغُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ وَمَنَعَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَجْلِسِهِ وَأَدَبِهِ] ١

ِ أَمَّا مَجْلِسُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَرِهَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ مَالِكٌ الْقَضَاءُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَقِّ وَالْأَمْرِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ يَرْضَى بِالدُّونِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَيَصِلُ إلَيْهِ الضَّعِيفُ وَالْمَرْأَةُ وَلَا يُحْجَبُ عَنْهُ أَحَدٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: ٢١] إلَى قَوْلِهِ {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [ص: ٢٢] وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَضَى فِي الْمَسْجِدِ» .

(فَرْعٌ) وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ الْمَسْجِدِ فِي رِحَابِهِ الْخَارِجَةِ قَالَ مَالِكٌ لِيَصِلَ إلَيْهِ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْحَائِضُ قَالَ وَحَيْثُمَا جَلَسَ الْقَاضِي الْمَأْمُورُ أَجْزَأَهُ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ فِي مَنْزِلِهِ وَحَيْثُ أَحَبَّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَ حَيْثُ جَمَاعَةُ النَّاسِ وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ سَحْنُونٌ قَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ لِكَثْرَةِ النَّاسِ حَتَّى يَشْغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ النَّظَرِ وَالْفَهْمِ فَلْيَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ فِي الْمَسْجِدِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَشْغَلُهُ وَاِتَّخَذَ سَحْنُونٌ بَيْتًا فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يَقْعُدُ فِيهِ لِلنَّاسِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ فِي الطَّرِيقِ فِي مَمَرِّهِ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ عَرَضَ وَاسْتُغِيثَ إلَيْهِ فِيهِ فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>