للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

إنَّمَا هِيَ مَا حَقَّقَتْ دَعْوَى تَنَاوَلَتْ مُعَاوَضَةً؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرٌ لِسَبَبِهَا، وَأَمَّا مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا بِالْخُلْطَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِهَا بِالثَّمَنِ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْيَمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَعْنَى وَمَنْ أَوْصَى أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ دَيْنًا فَطَلَبَ الْوَرَثَةُ يَمِينَ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَأْخُذُهَا حَتَّى يَحْلِفَ وَقَدْ قُضِيَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي مِثْلِ هَذَا مَرَّةً بِالْيَمِينِ وَمَرَّةً بِلَا يَمِينٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّهُ لِحَقٍّ يُرِيدُ لَبَاقٍ لَمْ يَقْبِضْهُ وَأَمَّا أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَحْقِيقِ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ وَجْهُ إثْبَاتِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَقْبِضَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَوَجْهُ نَفْيِ الْيَمِينِ أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ صَدَّقَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَاتَ عَلَى تَصْدِيقِهِ، وَلَمْ يَقْضِهِ أَحَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْوَارِثِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْلَافِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِي الدَّعَاوَى مَعَ تَحْقِيقِهَا وَتَحْقِيقِ الْإِنْكَارِ، وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ أَنَا أَحْلِفُ أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ حَتَّى يُحَقِّقَ يَمِينَهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خُلْطَةٌ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُتَّهَمًا فَهَلْ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ يُسْتَحْلَفُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ عَلَى قَوْلِهِ هَذَا بِأَنَّ لِلتُّهْمَةِ تَأْثِيرًا فِي الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَدَّعِي أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْخَيْرِ اسْتَكْرَهَهَا أَنَّهَا تُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ يُشَارُ إلَيْهِ بِذَلِكَ نَظَرَ الْإِمَامُ فِيهِ، فَالتُّهْمَةُ تُوجِبُ مَا تُوجِبُهُ الْخُلْطَةُ مِنْ الْيَمِينِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ الْعَدْلِ وَالْفَاجِرِ فِي الْأَيْمَانِ الَّتِي تُحَقَّقُ فِيهَا الدَّعَاوَى سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي يَمِينِ التُّهْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْخُلْطَةِ وَتَمْيِيزِهَا مِنْ غَيْرِهَا] ١

إذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْخُلْطَةِ فَالْخُلْطَةُ الْمُعْتَبَرَةُ رَوَى أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ قَالَ هِيَ: أَنْ يُسَالِفَهُ مُبَايَعَةً، وَيَشْتَرِي مِنْهُ مِرَارًا، وَإِنْ تَقَابَضَا فِي ذَلِكَ السِّلْعَةَ وَالثَّمَنَ وَتَفَاصَلَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ.

وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا تَكُونُ الْخُلْطَةُ إلَّا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الرَّجُلَيْنِ يُرِيدُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُسَالَفَةَ وَاتِّصَالَهَا مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ تَقْتَضِي التَّعَامُلَ، وَيَشْهَدُ لِلْبَائِعِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُسَلِّفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ جَازَ أَنْ يُبَايِعَهُ، وَرُبَّمَا كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ جِهَةِ السَّلَفِ فَيَثْبُتُ بَيْنَهَا بِذَلِكَ مَا يُوجِبُ الْيَمِينَ وَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي دُيُونِ الْمُبَايَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا تَثْبُتُ بَيْنَ أَهْلِ السُّوقِ مُخَالَطَةٌ بِكَوْنِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّبَايُعُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَسَحْنُونٌ قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَالْأُنْسِ وَالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ خُلْطَةٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّدَاعِيَ مِنْ جِهَةِ الْبَيْعِ فَيَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ بَيْنَهُمَا خُلْطَةٌ بِسَبَبِ الْبَيْعِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا كَانَتْ الْخُلْطَةُ بِتَارِيخٍ قَدِيمٍ وَانْقَطَعَتْ بَقِيَ حُكْمُ الْمُخَالَطَةِ بَيْنَهُمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا خُلْطَةٌ وَانْقَطَعَتْ فَإِنْ ثَبَتَ انْقِطَاعُهَا لَمْ يَحْلِفْ إلَّا بِخُلْطَةٍ ثَانِيَةٍ مُجَدَّدَةٍ تَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ قُضِيَ لَهُ عَلَيْهِ الْيَوْمَ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَقَامَ فِيهَا بَيِّنَةً ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْغَدِ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا آخَرَ فَلَا يَمِينَ لَهُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تِلْكَ الْخُلْطَةِ لِانْقِطَاعِهَا حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى خُلْطَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ أَمْرُهَا، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ: إنَّ مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ مِنْ مُخَالَطَةٍ قَدِيمَةٍ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَى حَقًّا غَيْرَهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَبَبٌ فَلَا يُحَلِّفُهُ بِالْخُلْطَةِ الْأُولَى فَقَوْلُ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَعْرِفَةَ الْخُلْطَةِ بَيْنَهُمَا تُوجِبُ الْيَمِينَ فِي دَعَاوِيهِمَا دُونَ أَنْ يَعْرِفَ سَبَبَ تِلْكَ الدَّعَاوَى، وَإِنْ عَرَفَ انْقِطَاعَ الدَّعَاوَى وَقَوْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ حَبِيبٍ تَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ تَجْرِي بَيْنَهُمَا يَلْزَمُ مَعْرِفَتُهَا وَمَعْرِفَةُ التَّعَامُلِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَقْتِهَا، وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْ الْيَمِينُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>