للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لِلْعُرُوضِ الَّتِي كَاتَبَهُ سَيِّدُهُ عَلَيْهَا يُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الْمُكَاتَبِ أَنَّهُ إذَا بِيعَ كَانَ أَحَقَّ بِاشْتِرَاءِ كِتَابَتِهِ مِمَّنْ اشْتَرَاهَا إذَا قَوِيَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى سَيِّدِهِ

ــ

[المنتقى]

[بَيْعُ الْمُكَاتَبِ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ خِلَافًا لِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ فِي مَنْعِهِمْ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا مَا فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِلْعِتْقِ وَهَذَا إذَا بَاعَ السَّيِّدُ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا إذَا بَاعَ جُزْءًا مِنْهَا فَفِي جَوَازِ ذَلِكَ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ إحْدَاهُمَا الْمَنْعُ وَالْأُخْرَى الْجَوَازُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ وَهِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ يَجُوزُ بَيْعُ جَمِيعِهِ فَجَازَ بَيْعُ جُزْءٍ مِنْهُ كَسَائِرِ الْمَبِيعَاتِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ أَدَاءَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إلَى سَيِّدِهِ بِعَقْدِ كِتَابَتِهِ وَالثَّانِي إلَى امْتِنَاعِ الْجُزْءِ لِحَقِّ ابْتِيَاعِهِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ نِصْفَ عَبْدِهِ لِحَقِّ الْكِتَابَةِ وَيُؤَدِّي النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْخَرَاجِ بِحَقِّ الْمِلْكِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ الْمُكَاتَبُ لِشَرِيكَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيْعُ حِصَّتِهِ دُونَ شَرِيكِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَإِنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ شَرِيكُهُ إلَّا أَنْ يَبِيعَاهُ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يَشْتَرِي نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ جَمِيعَهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَمَّا مِنْ الْمُكَاتِبِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا شَرِيكِهِ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَرِهَ شَرِيكُهُ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَقْصُودَةٌ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعَبْدِ فَجَازَتْ فِي بَعْضِهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا وَأَمَّا مِنْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ أَنَّهَا كَالْقَطَاعَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إذَا كَاتَبَهُ بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ فَلَا يَبِيعُهَا إلَّا بِعَرْضٍ مُعَجَّلٍ لَا يَتَأَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُهُ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ، وَإِنْ كَانَتْ الْكِتَابَةُ بِعَرْضٍ مِنْ إبِلٍ وَرَقِيقٍ جَازَ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ يُعَجَّلُ ذَلِكَ وَلَا يُؤَخِّرُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِيَ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ ذَهَبٌ بِوَرِقٍ إلَى أَجَلٍ وَلَا يَبِيعُهَا وَهِيَ عَرْضٌ بِعَرْضٍ مِنْ جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ الزِّيَادَةُ مَعَ النَّسَاءِ فِي الْجِنْسِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا إذَا بَاعَ الْكِتَابَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ فَأَمَّا إذَا بَاعَهَا مِنْ الْعَبْدِ نَفْسِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَنْقُلُهُ مِنْ ذَهَبٍ إلَى وَرِقٍ وَمِنْ عَرْضٍ إلَى جِنْسِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ وَأَقَلَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ شَيْئًا مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَإِنَّمَا تَرَكَ مَا عَامَلَهُ عَلَيْهِ وَعَدَلَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِلَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ، ثُمَّ بَاعَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَاؤُهُ لِلْمُشْتَرِي وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَاَلَّذِي أَعْتَقَ هُوَ الَّذِي عَقَدَ الْكِتَابَةَ وَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ إلَّا بِالْعَجْزِ، وَالْبَيْعُ لَمْ يَتَعَلَّقْ إلَّا بِمَا عَلَيْهِ دُونَ الْوَلَاءِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَجَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، ثُمَّ ثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهَا فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَجَزَتْ فَاشْتَرَتْهَا بَعْدَ الْعَجْزِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَهَذَا حُكْمُ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا بَيْعُ الْكِتَابَةِ فَلَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ جَازَ وَلَا يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ وَقَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ بَاعَ مُكَاتَبَهُ رُدَّ إلَّا أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُبْتَاعُ فَيَمْضِيَ وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَلَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِمَّا أَخَذَ فِي رَقَبَتِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ يَبِيعُهُ، ثُمَّ يَفُوتُ بِمَوْتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» قَالَ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَانْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَى الْمُشْتَرِي بِالْبَيْعِ فَهُوَ بَيْعُ الْوَلَاءِ وَإِنْ رَقَّ لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقٌ دُونَ عَجْزٍ عَنْ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِإِذْنِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِإِذْنِ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>