للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ الْآبِقِ إنَّ سَيِّدَهُ إنْ عَلِمَ مَكَانَهُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً وَهُوَ يَرْجُو حَيَاتَهُ وَرَجْعَتَهُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ إبَاقُهُ قَدْ طَالَ وَيَئِسَ مِنْهُ فَلَا أَرَى أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ) .

مَكِيلَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» )

ــ

[المنتقى]

مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي الرِّقِّ بِسَبَبِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الَّذِي يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ يُرِيدُ أَنَّ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَلَزِمَهُ فِي قِيمَتِهِ زَكَاةُ الْعَيْنِ فَإِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ ثَابِتَةٌ فِي رَقَبَتِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، يُرِيدُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ عَبِيدِهِ أَوْ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ غَيْرَ مُؤْمِنٍ فَإِنَّهُ لَا فِطْرَةَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْ عَبِيدِهِ الْكُفَّارِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطُّهْرَةِ فَلَمْ يَجِبْ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَنْهُ، أَصْلُهُ الْأَبُ الذِّمِّيُّ الْكَافِرُ الْفَقِيرُ فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَدَّى عَنْهُ الْفِطْرُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ تُرْجَى أَوْبَتُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا تُرْجَى فَمَنْ رُجِيَتْ أَوْبَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ عَنْهُ، وَمَنْ يَئِسَ مِنْ أَوْبَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ بِحَيَاتِهِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَزِمَتْهُ عَنْهُ الْفِطْرَةُ دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا قَدْ يَئِسَ مِنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ كَاَلَّذِي صَارَ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْحَاضِرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْقُرَى وُجُوبًا سَوَاءً لِمَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَهَا عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ حَاضِرَةٍ مِنْ غَيْرِهِمْ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى عُمُومِهِ وَهَذَا نَصٌّ مِنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِهِ بِصِحَّةِ الْعُمُومِ وَاعْتِقَادِهِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ إلَّا مَا يُحْكَى عَنْ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهُمَا قَالَا: لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] وَقَالَ مَالِكٌ إنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ دَاخِلَةٌ فِيهَا وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصِحُّ بِتَأَوُّلِهِ لَهَا وَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذِهِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ.

[مَكِيلَةُ زَكَاةِ الْفِطْرِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى النَّاسِ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الزَّكَاةِ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى فَرَضَ أَلْزَمَ فَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ عِنْدَنَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ خِلَافٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِي عِبَارَةٍ وَمَعَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَدْ خَالَفَ أَصْلَهُ فَجَعَلَ زَكَاةَ الْخَيْلِ وَزَكَاةَ التِّجَارَةِ فَرِيضَةً، وَالْخِلَافُ فِيهَا أَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَاللُّزُومَ فَإِنْ قِيلَ مَعْنَى فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ قَدَّرَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ فَرَضَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ إلَّا أَوْجَبَ؛ لِأَنَّ عَلَى يَقْتَضِي الْإِيجَابَ وَاللُّزُومَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى عَنْ؛ لِأَنَّ الْمُوجَبَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْمُوجَبِ عَنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>