للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَسِبْت أَنَّهُ قَالَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ قَالَ: فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَرِحَتْ بِنَا امْرَأَةُ ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ بِالصِّيَاحِ فَأَرْفَعُ السَّيْفَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكُفُّ وَلَوْلَا ذَلِكَ اسْتَرَحْنَا مِنْهَا» ) .

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ يُرِيدُ أَهْلَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا تَمَكَّنُوا مِنْ نَيْلِهِ وَالِاسْتِخْفَافِ بِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ مُنِعَ السَّفَرُ بِهِ إلَى بِلَادِهِمْ.

[النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فِي الْغَزْوِ]

(ش) : قَوْلُهُ نَهَى الَّذِينَ قَتَلُوا ابْنَ أَبِي الْحَقِيقِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ يُرِيدُ حِينَ أَنْفَذَهُمْ لِقَتْلِهِ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَنَهْيُهُ هَذَا عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَصْلٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَسَيَرِدُ بَعْدَ هَذَا مُفَسَّرًا وَقَوْلُهُ بَرِحَتْ بِنَا يُرِيدُ أَظْهَرَتْ أَمْرَنَا بِصِيَاحِهَا فَكَانَ يَمْنَعُهُ قَتْلَهَا إذَا رَفَعَ عَلَيْهَا السَّيْفَ مَا يَذْكُرُ مِنْ نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَوْلَا مَا يَذْكُرُهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيِ لَقَتَلَهَا فَاسْتَرَاحُوا مِنْهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَلُّقِ بِالْعُمُومِ لِأَنَّهُ أَجْرَى نَهْيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى عُمُومِهِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ وَلَمْ يَقْصُرْهُ عَلَى الْقَصْدِ إلَى ذَلِكَ دُونَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ إذَا جَرَى مِنْهَا مِثْلُ هَذَا مِنْ الْإِنْذَارِ بِالصِّيَاحِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ: لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ فِي الْحِرَاسَةِ خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُقْتَلْنَ فِي الْحِرَاسَةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحِرَاسَةَ عَلَى الْأَسْوَارِ وَالْحُصُونِ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ الْمُدَافَعَةِ وَهَذَا مِمَّا يُمْكِنُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ فِعْلُهُ كَالنَّظَرِ وَالْمُرَاعَاةِ وَلَا يُسْتَبَاحُ قَتْلُ هَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ وَلَكِنْ يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُمْ بِالْقِتَالِ وَالْمُدَافَعَةِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا الرِّجَالُ غَالِبًا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ مِنْ حَالِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ أَمْرَهَا عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ حَالِ النِّسَاءِ فِي بُعْدِهِنَّ عَنْ الْقِتَالِ وَالْمَنَعَةِ.

وَقَدْ رَوَى رَبَاحُ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شَيْءٍ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ: اُنْظُرْ عَلَى مَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ فَجَاءَ فَقَالَ: امْرَأَةٌ مَقْتُولَةٌ فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدَّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَبَعَثَ رَجُلًا فَقَالَ لِخَالِدٍ: لَا تَقْتُلْ امْرَأَةً وَلَا عَسِيفًا» فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَ وَفِيهِنَّ مَعْنًى آخَرُ أَنَّهُنَّ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ وَيُنْتَفَعُ بِهَا دُونَ مَخَافَةٍ مِنْهُنَّ فَأَمَّا إنْ قَاتَلُوا فَإِنَّهُنَّ يُقْتَلْنَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي مَنَعَتْ مِنْ قَتْلِهِنَّ عَدَمُ الْقِتَالِ مِنْهُنَّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُنَّ وُجِدَتْ عِلَّةُ إبَاحَةِ قَتْلِهِنَّ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى دَفْعِ مَضَرَّتِهِنَّ وَإِزَالَةِ مَنْعِهِنَّ الْمَوْجُودِ فِي الرِّجَالِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا قَاتَلْنَ بِالسِّلَاحِ وَالرُّمْحِ وَشَبَهِهِ وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ فَهَلْ يُبِيحُ قَتْلَهُنَّ أَمْ لَا؟ .

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُسْتَبَاحُ بِذَلِكَ قَتْلُهُنَّ وَرَوَاهُ ابْنُ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَضَرَّةَ هَؤُلَاءِ ضَعِيفَةٌ وَغِنَاهُنَّ عَنْ قَوْمِهِنَّ قَلِيلٌ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى قَتْلِهِنَّ وَمَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِهِنَّ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يَرْمِيهِنَّ الْمُسْلِمُونَ بِالْحِجَارَةِ وَإِنْ قُتِلْنَ فِي ذَلِكَ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: ٤١] .

١ -

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا: تَجِبُ مُقَاتَلُهُنَّ وَلَمْ يُسْتَطَعْ عَلَيْهِنَّ إلَّا بَعْدَ أَسْرِهِنَّ فَهَلْ يُقْتَلْنَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُنَّ يُقْتَلْنَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ لَا يُقْتَلْنَ بَعْدَ الْأَسْرِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهُنَّ بِالْقِتَالِ قَدْ اسْتَحْقَقْنَ الْقَتْلَ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>