للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

(الْبَابُ الْأَوَّلُ مَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ)

الْأَفْضَلُ لِلرِّجَالِ الْحِلَاقُ وَذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلَا يَخْلُو فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَدَلِيلٌ آخَرُ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الْمُحَلِّقِينَ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِفَضِيلَةِ الْحِلَاقِ فَمَنْ قَصَّرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْحِلَاقِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُ أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] .

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَالْحِلَاقُ لَهُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ تَفُوتَ أَيَّامُ الْحَجِّ وَيُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ فَلْيُقَصِّرْ لِمَكَانِ حِلَاقِهِ فِي الْحَجِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ:.

وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا يُرِيدُ مِنْ تَخْصِيصِ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ النُّسُكَيْنِ بِالْحِلَاقِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَيْسَ عَلَى مَنْ حَجَّ مِنْ النِّسَاءِ حِلَاقٌ وَقَدْ نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَرْأَةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَالَ: هِيَ مُثْلَةٌ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا إلَّا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حِلَاقَ الْمَرْأَةِ مُثْلَةٌ لِأَنَّهُ حِلَاقٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ كَحِلَاقِ الرَّجُلِ لِحْيَتَهُ وَشَارِبَهُ.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ] ١

أَمَّا صِفَةُ الْحِلَاقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْحَاجِّ أَنَّ مِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْخِطْمِيِّ وَالْغَاسُولِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَلِحْيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُعْتَمِرِ يَغْسِلُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَهُ أَوْ يَقْتُلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ يَلْبَسَ قَمِيصًا بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ قَالَ: أَكْرَهُ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْحِلَاقِ بَيْنَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْحَجِّ وَابْنَ الْقَاسِمِ تَكَلَّمَ فِي حُكْمِ الْعُمْرَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَاجَّ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ قَبْلَ الْحِلَاقِ تَحَلَّلَ وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْمُعْتَمِرُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ قَبْلَ الْخِلَافِ تَحَلُّلٌ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَيَبْدَأُ بِالْحِلَاقِ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَيَبْلُغُ بِهِ إلَى الْعَظْمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الصُّدْغَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى اللِّحْيَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يُجْزِئُ حَلْقُ الرَّأْسِ دُونَ اسْتِيعَابِهِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَأَمَّا التَّقْصِيرُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُقَصِّرُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ تَقْصِيرُ الرَّجُلِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ وَلَكِنْ يَجُزُّ ذَلِكَ جَزًّا وَلَيْسَ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ يَجُزَّهُ وَأَخَذَ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَيُجْزِئُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْيَسِيرَ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَفِي هَذَا عِنْدِي نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يَفْعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ وَاَلَّذِي تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التَّقْصِيرِ لَمْ يُجِزْهُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ: يُجْزِئُهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَأَنْ يَبْلُغَ بِهِ الْحَدَّ الَّذِي يَقْرَبُ مِنْ أُصُولِ الشَّعْرِ وَهَذَا الَّذِي يُوصَفُ بِالْجَزِّ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا إذَا أَرَادَتْ الْإِحْرَامَ أَخَذَتْ مِنْ قُرُونِهَا لِتُقَصِّرَ فَإِذَا حَلَّتْ قَصَّرَتْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَعْنَى ذَلِكَ إنْ تَيَسَّرَ فِي مَوَاضِعِ التَّقْصِيرِ لِيَتَمَكَّنَ الْأَخْذُ مِنْ جَمِيعِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَكَمْ مِقْدَارُ مَا تُقَصِّرُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مِقْدَارُ أُنْمُلَةٍ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَدْرَ الْأُنْمُلَةِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ أَوْ دُونَهُ بِقَلِيلٍ.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ يَجُزُّهَا قَدْرَ التَّطْرِيفِ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا حَدٌّ مَعْلُومٌ وَمَا أَخَذَتْ مِنْهُ أَجْزَأَهَا وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَعُمَّ بِالتَّقْصِيرِ الشَّعْرَ كُلَّهُ طَوِيلَهُ وَقَصِيرَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالرَّأْسِ فَكَانَ حُكْمُهَا فِيهِ الِاسْتِيعَابَ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ] ١

<<  <  ج: ص:  >  >>