للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فَأَمَّا الَّذِي قَدْ مَسَّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَنْهَا، فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا) .

جَامِعُ الطَّلَاقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ حِينَ أَسْلَمَ الثَّقَفِيُّ أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ» ) .

ــ

[المنتقى]

قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ حُدُوثُ الْبَرَصِ الشَّدِيدِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَا سَمِعْت أَحَدًا فَرَّقَ فِيهِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ أَشْهَبُ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ، إنْ غَرَّهَا فَعَلَى هَذَا عَنْ مَالِكٍ فِي الَّتِي يَغُرُّهَا زَوْجُهَا رِوَايَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: إثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهَا وَبِهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْيُهُ، وَفِي الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً فِي نَفْيِ الْخِيَارِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ مِنْهُ شَدِيدًا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الَّذِي يَحْدُثُ بِهِ مِنْ الْبَرَصِ مَا خَفَّ مِنْهُ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَمَا فِيهِ ضَرَرٌ لَا تَصْبِرُ عَلَيْهِ فَلَهَا الْخِيَارُ بِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْبَرَصِ إذَا غَرَّ بِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا فِيهِ الْخِيَارُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨] وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ بِهِ إذَا كَانَ بِالزَّوْجَةِ فَكَانَ لِلزَّوْجَةِ الْخِيَارُ إذَا كَانَ بِالزَّوْجِ كَالْجُذَامِ فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لَهَا بِهَذِهِ الْعُيُوبِ كُلِّهَا كَانَتْ مَوْجُودَةً حِينَ الْعَقْدِ أَوْ ثَبَتَتْ بَعْدَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَحْدُثُ مِنْ ذَلِكَ بِالزَّوْجَةِ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ بِالزَّوْجِ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالطَّلَاقِ، وَالزَّوْجَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ لَأَدَّى إلَى اسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ حَقَّ الْمَرْأَةِ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهَا بِمَا حَدَثَ بِالزَّوْجِ مِنْ ذَلِكَ آكَدُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ مِمَّا يَثْبُتُ بِالْمَرْأَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْقٌ) وَالْفَرْق بَيْنَ مَا يُوجَدُ مِنْهُ حِينَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الَّذِي كَانَ مَوْجُودًا بِهِ قَاصِدًا إلَى الْخَدِيعَةِ، وَالْإِضْرَارِ بِهَا وَاَلَّذِي حَدَثَ ذَلِكَ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَيْهِ بِمَا حَدَثَ بِهَا مِنْهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ وَلَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ جَمِيعُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَكَانَ لَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ أَنْ يُفَارِقَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ كَثِيرِ مَا حَدَثَ مِنْهُ وَقَلِيلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، فَإِنَّمَا أَثْبَتَ لَهَا الْخِيَارَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَجْلِ اسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهَا إذَا رَضِيَتْ بِهِ كَانَ لَهَا الْقِيَامُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ وَجْهِ الْعُنَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ وَجْهِ الضَّرَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ: إنَّ مَنْ مَسَّ امْرَأَتَهُ، وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا حُجَّةَ لَهَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَبِي ثَوْرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ يُؤَجَّلُ، وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ الْوَاحِدَةَ يَكْمُلُ بِهَا الصَّدَاقُ فَيَبْطُلُ بِهَا حُكْمُ الِاعْتِرَاضِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ أَجْمَعَ إذَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عُذْرٌ كَمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[جَامِعُ الطَّلَاقِ وَفِيهِ أَبْوَاب]

(ش) : قَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنْ يُمْسِكَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ» وَلَمْ يَحُدَّ لَهُ إمْسَاكَ الْأَوَائِلِ وَلَا غَيْرَهُنَّ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ خُيِّرَ فِي أَنْ يُمْسِكَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَيُفَارِقَ سَائِرَهُنَّ وَبِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ أُخْتَانِ لَكَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوْ عُقُودٍ مُخْتَلِفَةٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ إلَّا الْأَوَائِلَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهُنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ ثُمَّ تَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ صِفَةِ نِكَاحِهِنَّ، وَهُوَ مَوْضِعُ حُكْمٍ، وَالسُّؤَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>