للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ؛ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَقَالَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْشَدْتُكَ اللَّهَ أَسُحَيْمٌ زِقٌّ؟ قَالَ لَهُ نَعَمْ) .

ــ

[المنتقى]

وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلُهُ فَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ وَكَانَ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ أَنْ لَا يُغَسَّلَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يُغَسَّلَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَعْنَيَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ مُدَافِعًا، وَالثَّانِي أَنَّهُ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَكَلَّمَ وَشَرِبَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ شَهَادَةٌ تُسْقِطُ فَرْضَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّ الشُّهَدَاءَ كَثِيرٌ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَيُغَسَّلُونَ إلَّا مَنْ ذَكَرْنَاهُ.

[مَا يُكْرَهُ مِنْ الشَّيْءِ يُجْعَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ]

ِ هَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَتَابَعَهُ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمُوَطَّإِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الشَّيْءُ الَّذِي جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى وَجْهِ التَّحَيُّلِ وَعَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يُبِيحُهُ عَلَيْهِ مِنْ جَعْلِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لِعُمَرَ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا وَقَالَ ابْنُ بُكَيْر فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ الرَّجْعَةِ فِي الشَّيْءِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْقَعْنَبِيُّ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْفَرَسِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ عَلَى أَرْبَعِينَ أَلْفِ بَعِيرٍ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهُ مِمَّنْ يُرِيدُ السَّفَرَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَاحِلَةٍ وَيَعْجِزُ عَنْ السَّفَرِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ فَيَعْجِزُ عَنْ الرُّجُوعِ إلَى أُفُقِهِ وَوَطَنِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي لَا يُحْصَى عَدَدُهَا كَثْرَةً مِمَّا يَضْطَرُّ الْإِنْسَانُ إلَى السَّفَرِ مِنْ أَجْلِهَا فَكَانَ يَحْمِلُ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَحْمِلُ مَنْ يَسْعَى فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ رَاحِلَةٌ لِسَفَرِهِ ذَلِكَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَتَّخِذُ مِنْ الْإِبِلِ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْمِي لَهَا الْحِمَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ يَحْمِلُ الرَّجُلَ إلَى الشَّامِ عَلَى بَعِيرٍ وَيَحْمِلُ الرَّجُلَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ عَلَى بَعِيرٍ قَالَ الدَّاوُدِيُّ إنَّمَا ذَلِكَ لِيُسْرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ بِالشَّامِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْغَزْوِ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ لِلْجِهَادِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّ طَرِيقَ الْعِرَاقِ كَانَتْ أَسْهَلَ وَأَعْمَرَ وَكَانَ طَرِيقُ الشَّامِ مِنْ الْمَدِينَةِ أَوْعَرَ وَأَشَقَّ وَأَخْلَى مِنْ النَّاسِ فَكَانَ مَنْ انْقَطِعْ بِهِ فِيهَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَوْضِعُ مَقَامٍ أَوْ مَنْ يُعِينُ عَلَى بَلَاغٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّ لَهُ احْمِلْنِي وَسُحَيْمًا عَلَى وَجْهِ التَّوْرِيَةِ وَالتَّحَيُّلِ لِيُرِيَهُ أَنَّ لَهُ رَفِيقًا يُسَمَّى سُحَيْمًا فَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْبَعِيرَ فَيَأْخُذُهُ الْعِرَاقِيُّ وَيَنْفَرِدُ بِرُكُوبِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلْمَعِيًّا يُصِيبُ بِظَنِّهِ فَلَا يَكَادُ يُخْطِئُهُ فَسَبَقَ إلَى ظَنِّهِ أَنَّ سُحَيْمًا الَّذِي ذَكَرَ هُوَ الزِّقُّ فَنَاشَدَهُ اللَّهَ لِيُخْبِرَهُ بِالْحَقِّ فَيَعْلَمُ عُمَرُ صِدْقَ ظَنِّهِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ نَعَمْ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «قَدْ كَانَ فِيمَنْ مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدِّثُونَ فَإِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْلَمَ مَنْ يُلْقَى فِي رَوْعِهِ الشَّيْءُ وَيُلْهَمُ إلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يُخْبَرُ بِهِ فَلَا يُخْطِئُ ظَنُّهُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>