للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْبَابُ الثَّانِي فِي تَبْيِينِ مَنْ يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْبَائِعِينَ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ وَالْبَاعَةِ فِيهِ، وَأَمَّا الْجَالِبُ فَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا يُمْنَعُ الْجَالِبُ أَنْ يَبِيعَ فِي السُّوقِ دُونَ بَيْعِ النَّاسِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبِيعُونَ مَا عَدَا الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ إلَّا بِمِثْلِ سِعْرِ النَّاسِ، وَإِلَّا رَفَعُوا كَأَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَجْهُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْجَالِبَ يُسَامَحُ، وَيُسْتَدَامُ أَمْرُهُ لِيَكْثُرَ مَا يَجْلِبُهُ مَعَ أَنَّ مَا يَجْلِبُهُ لَيْسَ مِنْ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ، وَهُوَ يُدْخِلُ الرِّفْقَ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجْلِبُهُ فَرُبَّمَا أَدَّى التَّحْجِيرُ عَلَيْهِ إلَى قَطْعِ الْمِيرَةِ، وَالْبَائِعُ بِالْبَلَدِ إنَّمَا يَبِيعُ أَقْوَاتَهُمْ الْمُخْتَصَّةَ بِهِمْ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْعُدُولِ بِهَا عَنْهُمْ فِي الْأَغْلَبِ، وَلِهَذَا فَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْرَةِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ، وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا بَائِعٌ فِي السُّوقِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحُطَّ عَنْ سِعْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ لِسِعْرِ النَّاسِ كَأَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ فَأَمَّا جَالِبُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَبِيعُ كَيْفَ شَاءَ إلَّا أَنَّ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حُكْمُ أَهْلِ السُّوقِ، وَإِنْ أَرْخَصَ بَعْضُهُمْ تُرِكُوا إنْ قَلَّ مَنْ حَطَّ السِّعْرَ، وَإِنْ كَثُرَ الْمُرْخِصُونَ قِيلَ لِمَنْ بَقِيَ إمَّا أَنْ تَبِيعَ كَبَيْعِهِمْ، وَإِمَّا أَنْ تَرْفَعَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لِلطَّعَامِ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فِي دَارٍ بِسِعْرِ السُّوقِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَيَنْبَغِي فِي الطَّعَامِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السُّوقِ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَيْعَهُ فِي الدُّورِ إعْزَازٌ لَهُ، وَسَبَبٌ إلَى غَلَائِهِ، وَتَطَرُّقٌ لِيَبِيعَهُ الْبَائِعُ كَيْفَ شَاءَ بِدُونِ سِعْرِ أَهْلِ السُّوقِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهُ ذَلِكَ فِي السُّوقِ فَإِنْ كَانَ جَالِبًا فَلْيَبِعْهُ فِي السُّوقِ أَوْ فِي الدَّارِ إنْ شَاءَ عَلَى يَدِهِ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِالتَّسْعِيرِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ] ١

(الْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ) .

أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْمَبِيعَاتِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ ذَلِكَ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مَأْكُولًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْمَبِيعَاتِ الَّتِي لَا تُكَالُ، وَلَا تُوزَنُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْمِثْلِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ، وَغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقِيمَةِ، وَيَكْثُرُ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي أَعْيَانِهِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ مُتَمَاثِلًا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ فِيهِ عَلَى سِعْرٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ مُتَسَاوِيًا فِي الْجَوْدَةِ فَإِذَا اخْتَلَفَ صِنْفُهُ لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ بَاعَ الْجَيِّدَ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِثْلِ سِعْرِ مَا هُوَ أَدْوَنُ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ كَالْمِقْدَارِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ التَّسْعِيرِ فَهُوَ أَنْ يُحَدَّ لِأَهْلِ السُّوقِ سِعْرٌ لِيَبِيعُونَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَجَاوَزُونَهُ فَهَذَا مَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَرْخَصَ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي صَاحِبِ السُّوقِ يُسَعِّرُ عَلَى الْجَزَّارِينَ لَحْمَ الضَّأْنِ ثُلُثَ رِطْلٍ، وَلَحْمَ الْإِبِلِ نِصْفَ رِطْلٍ، وَإِلَّا خَرَجُوا مِنْ السُّوقِ قَالَ إذَا سَعَّرَ عَلَيْهِمْ قَدْرَ مَا يَرَى مِنْ شِرَائِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ يَقُومُوا مِنْ السُّوقِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اُدْعُوا اللَّهَ ثُمَّ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ لَنَا فَقَالَ بَلْ اللَّهُ يَرْفَعُ وَيَخْفِضُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَتْ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلَمَةٌ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ إجْبَارَ النَّاسِ عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ بِغَيْرِ مَا تَطِيبُ بِهِ أَنْفُسُهُمْ ظُلْمٌ لَهُمْ مُنَافٍ لِمِلْكِهَا لَهُمْ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ فِي مَصَالِحِ الْعَامَّةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ إغْلَاءِ السِّعْرِ عَلَيْهِمْ وَالْإِفْسَادِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يُجْبَرُ النَّاسُ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

فِيهِ لِلْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ، وَلَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ رِبْحًا، وَلَا يَسُوغُ لَهُ مِنْهُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ.

[الْبَيْعِ بِغَيْرِ السِّعْرِ الَّذِي يَحُدُّهُ الْإِمَامُ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ]

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَشْهَبَ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ أَحَدُهَا فِي صِفَةِ التَّسْعِيرِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ يُسَعِّرُ عَلَيْهِ وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّسْعِيرُ مِنْ الْمَبِيعَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>