للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ فِي الدِّيَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَالَ مَالِكٌ فَأَهْلُ الذَّهَبِ أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ، وَأَهْلُ الْوَرِقِ أَهْلُ الْعِرَاقِ) .

ــ

[المنتقى]

[الْعَمَلُ فِي الدِّيَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ الْحَدِيثُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَنَّهُ قَوَّمَ الدِّيَةَ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ يُشَارُ إلَيْهِ بِالتَّقْوِيمِ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا دِيَةَ الْإِبِلِ فَفِي الْمَدَنِيَّةِ عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَهَا فَكَانَتْ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَمِنْ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ الدِّيَةُ لَا تُغَيَّرُ بِتَغْيِيرِ أَسْوَاقِ الْإِبِلِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي اسْتِقْرَارِ الْقِيمَةِ، وَخَالَفَنَا فِي الْقَدْرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْإِبِلَ تُقَوَّمُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَتَكُونُ قِيمَتُهَا الدِّيَةَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ أَصْلٌ فِي الدِّيَةِ كَالْإِبِلِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَوَّمَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرِيدَ بِهِ دِيَةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَوِّمْ دِيَةَ رَجُلٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ فَكَانَتْ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَوِّمْ دِيَةً عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ فَكَانَتْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَوَجْهٌ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ قَوِّمْ الدِّيَةَ فَأَتَى بِلَفْظٍ يَسْتَغْرِقُ جِنْسَ الْقُرَى، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ تَأْثِيرُ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْقُرَى فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ عَلَى الْقُرَى فِي الْجُمْلَةِ لِمَا يَقَعُ فِي جَمِيعِهَا فِي الْمُسْتَقْبِلِ، وَقَدْ رَدَّ ذَلِكَ لِنَصِّ عِلْمِهِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَثْبُتُ عِنْدَنَا أَوْ لِنَظَرٍ أَدَّاهُ إلَى ذَلِكَ، وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الصَّحَابَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَعْنًى لِلْإِبِلِ، وَلِلْعَيْنِ فِيهِ مَدْخَلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا بِنَفْسِهِ كَالزَّكَاةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ يُعْتَمَدُ فِي أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ، وَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْوَرِقِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَمَا قَرَّرَ أَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الذَّهَبَ مُقَدَّرٌ فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ رُبْعُ دِينَارٍ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَإِنْ نَازَعَنَا فِي ذَلِكَ الْمُخَالِفُ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ بِالْآثَارِ الَّتِي نُورِدُهَا فِي الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا قِسْنَا عَلَيْهِ أَنَّهُ حُكْمُ طَرِيقِهِ الْجِنَايَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدِّينَارُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَقَوَّمَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى خَصَّ بِذَلِكَ أَهْلَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَمُودِ هُمْ أَهْلُ الْإِبِلِ قَالَ مَالِكٌ أَهْلُ الْبَادِيَةِ وَالْعَمُودِ هُمْ أَهْلُ الْإِبِلِ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَهْلُ الْحِجَازِ أَهْلُ إبِلٍ، وَأَهْلُ مَكَّةَ مِنْهُمْ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَهْلُ ذَهَبٍ، وَرَوَى عَنْهُ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَهْلُ مَكَّةَ أَهْلُ ذَهَبٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا أَهْلُ الذَّهَبِ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ عَنْ مَالِكٍ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَهْلُ مِصْرَ أَهْلُ الذَّهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، وَقَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ هُمْ الْيَوْمَ أَهْلَ ذَهَبٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ أَهْلُ ذَهَبٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ أَهْلُ الْأَنْدَلُسِ أَهْلُ وَرِقٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَكُونَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ أَهْلَ ذَهَبٍ إلَّا الْأَنْدَلُسَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلَافًا مِنْ قَوْلَيْهِمَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا أَهْلُ الْوَرِقِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَهْلُ الْعِرَاقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَهْلُ فَارِسٍ، وَخُرَاسَانَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إلَى غَالِبِ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الْبِلَادِ فَأَيُّ بَلَدٍ غَلَبَ عَلَى أَمْوَالِ أَهْلِهَا الذَّهَبُ فَهُمْ أَهْلُ ذَهَبٍ، وَأَيُّ بَلَدٍ غَلَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>