للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّلَاثُ أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ)

ــ

[المنتقى]

عَلَى أَمْوَالِهِمْ الْوَرِقُ فَهُمْ أَهْلُ وَرِقٍ، وَرُبَّمَا انْتَقَلَتْ الْأَمْوَالُ فَيَجِبُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْأَحْكَامُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْيَوْمَ أَهْلُ ذَهَبٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا غَيْرُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يُؤْخَذُ فِيهَا بَقَرٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا حُلَلٌ، وَلَا تَكُونُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إبِلٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، وَذَلِكَ خِلَافٌ لِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلَيْهِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْغَنَمِ أَلْفُ شَاةٍ، وَمِنْ أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الْإِبِلَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي قَصْرُ الدِّيَةِ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّقْوِيمَ إنَّمَا يَكُونُ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ بِذَلِكَ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْقُرَى فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْقُرَى مَوْضِعٌ يَحْكُمُ عَلَى أَهْلِهِ بِالْحُلَلِ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحُلَلَ نَوْعٌ مِنْ الْعُرُوضِ فَأَشْبَهَ الْعَقَارَ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الذَّهَبَ وَالْوَرِقَ يَخِفُّ، وَتَتَسَاوَى قِيمَتُهُ، وَالْإِبِلُ لَا مَشَقَّةَ فِي نَقْلِهَا، وَسَائِرُ الْمَوَاشِي تَخْتَلِفُ قِيمَتُهَا، وَيُشَقُّ نَقْلُهَا، وَإِنَّمَا أُلْزِمَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ أَفْضَلَ أَمْوَالِهِمْ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ الدِّيَةَ تُقْطَعُ يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّأْجِيلُ، وَالثَّانِي التَّنْجِيمُ عَلَى آجَالِ بَعْضِهَا بَعْدَ بَعْضٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ ذَلِكَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ مَعَانِيَ أَحَدُهَا التَّخْيِيرُ، وَالثَّانِي الشَّكُّ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْقَوْلَيْنِ كُلُّ قَوْلٍ مِنْ قَائِلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَاهُ وَيُفْتِي بِهِ دُونَ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَاخْتَارَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثَلَاثَ سِنِينَ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَضَيَا بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَمْ يُخَالِفْهُمَا أَحَدٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا عَلَى وَجْهِ الْمُوَاسَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهَا، وَكَانَتْ فِي الْأَصْلِ مِنْ الْإِبِلِ، وَقَدْ تَكُونُ وَقْتَ الْوُجُوبِ حَوَامِلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلَّفُوا إذًا حَوَامِلَ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَوَابِنُ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَجِّلُوا ثَلَاثَ سِنِينَ فَيَجْتَمِعُ لَهُمْ مَا تُشْتَرَى بِهِ السِّنُّ الْوَاجِبَةُ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مَعُونَتِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ، وَأَمَّا أَبْعَاضُهَا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَحَدَاهُمَا الْحُلُولُ، وَالثَّانِيَةُ التَّأْجِيلُ.

فَوَجْهُ رِوَايَةِ الْحُلُولِ أَنَّهُ بَعْضُ دِيَةٍ فَكَانَ عَلَى الْحُلُولِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا دُونَ الثُّلُثِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ التَّأْجِيلِ أَنَّهَا دِيَةٌ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ كَالدِّيَةِ الْكَامِلَةِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّأْجِيلِ فَإِنَّ ثُلُثَهَا فِي سَنَةٍ، وَثُلُثَيْهَا فِي سَنَتَيْنِ فَأَمَّا نِصْفُهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهَا فِي سَنَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى الِاجْتِهَادِ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ النِّصْفَ فِي سَنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ الثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ فِي سَنَةِ، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى الِاجْتِهَادِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَبِالرِّوَايَةِ الْأُولَى أَخَذَ أَصْحَابُ مَالِكٍ إلَّا أَشْهَبَ فَقَالَ فِي النِّصْفِ يُؤْخَذُ الثُّلُثُ إذَا مَضَتْ السَّنَةُ، وَالسُّدُسُ الْبَاقِي إذَا مَضَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ.

فَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الدِّيَةَ مَبْنِيَّةٌ فِي تَنْجِيمِهَا عَلَى أَعْوَامٍ كَامِلَةٍ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْجُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّ الْمَعَانِيَ الَّتِي نَجَمَتْ مِنْ أَجْلِهَا مِنْ تَلَاحُقِ الْأَسْنَانِ أَوْ تَكَامُلِ النَّمَاءِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْأَعْوَامِ فَلِذَلِكَ بَلَغَ النِّصْفُ إلَى السَّنَتَيْنِ لِيُكْمِلَ الْمَقْصُودَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ السُّدُسِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ، وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهَا يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي السُّدُسِ الْبَاقِي.

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا جَاوَزَتْ الثُّلُثَيْنِ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فَهِيَ كَالْكَامِلَةِ فَإِنْ جَاوَزَتْهُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ فَذَلِكَ كَلَا شَيْءٍ.

(فَرْعٌ) وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثَيْنِ يُقْطَعُ فِي ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ إذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثَيْنِ بِمَا لَهُ بَالٌ لَقُطِعَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>