للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مَا جَاءَ فِي إفْلَاسِ الْغَرِيمِ)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَقْبِضْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي ابْتَاعَهُ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أَفْلَسَ فَأَدْرَكَ الرَّجُلُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» )

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي إفْلَاسِ الْغَرِيمِ وَفِيهِ أَبْوَاب]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ الَّذِي ابْتَاعَهُ مِنْهُ» الْفَلَسُ هُوَ عَدَمُ الْمَالِ، وَهُوَ الْإِعْسَارُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] ، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ مَجْهُولًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا فَلَسُهُ أَوْ مَعْلُومًا غِنَاهُ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْفَلَسِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يُحْبَسُ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ حَتَّى يَسْتَبِدَّ أَمْرَهُ لَعَلَّهُ غَيَّبَ مَالَهُ.

وَقَالَ مُطَرِّفٌ، وَيُحْبَسُ النِّسَاءُ وَمَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ فِي الدَّيْنِ فِي اللَّدَدِ وَالتُّهْمَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْإِعْسَارِ يُنَافِيهِ إقْرَارُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ عِوَضَهُ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُوسِرٌ بِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ خِلَافُ مَا يَدَّعِيهِ فَلِذَلِكَ أَلْزَمَهُ السِّجْنَ لِتَحَقُّقِ حَالِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ ادَّعَى الْفَقْرَ، وَظَاهِرُهُ الْغِنَى، وَأَقَامَ بَيِّنَةً فِي الْفَقْرِ، وَلَمْ تُزَكَّ بَيِّنَتُهُ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِ حَمِيلٌ وَسِجْنٌ حَتَّى تُزَكَّى بَيِّنَتُهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ، وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَهَذَا لِمَنْ تَفَالَسَ، وَيَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَأَمَّا إذَا حَلَّ الدَّيْنُ فَسَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ، وَوَعَدَ بِالْقَضَاءِ فَلْيُؤَخِّرْهُ الْإِمَامُ حَسْبَمَا يَرْجُو لَهُ، وَلَا يَعْجَلْ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ، وَقَالَ فِي كِتَابِ سَحْنُونٍ إنْ سَأَلَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ يَوْمًا أَوْ نَحْوَهُ أُخِّرَ، وَيُعْطِي حَمِيلًا بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمِيلًا بِهِ سُجِنَ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَعَذُّرَ الْقَضَاءِ قَدْ يَتَّجِهُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فَإِذَا أَعْطَى حَمِيلًا بِالْمَالِ، وَسَأَلَ النَّظِرَةَ إلَى مِثْلِ هَذَا الْمِقْدَارِ مِمَّا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ عَلَى الْمُطَالِبِ لَهُ فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُوَفِّقَهُ مِثْلَ هَذَا التَّأْخِيرِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونَ سَمَّاكٌ لِرَجُلِ عَلَيْهِ سَمَكٌ فَسَأَلَ الصَّبْرَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَصِيدَ قَالَ يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ الْمَاجِشُونَ فِي رِوَايَتِهِ الْحَمِيلَ، وَوَجْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَحْنُونٍ الْحَمِيلُ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْأَجَلُ كَانَ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ إلَّا بِحَمِيلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا السَّمَّاكُ عَدِيمًا يُعْلَمُ أَنْ لَا مَالَ لَهُ، وَلَا يَجِدُ قَضَاءً إلَّا مِنْ تَصَيُّدِهِ فَيَتْرُكُ، وَالتَّصَيُّدَ لِأَنَّهُ الْوَجْهُ الَّذِي يُسْلِمُ إلَيْهِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَمُدَّةُ سَجْنِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدَّيْنِ فِيمَا رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونَ فَقَالَ يُحْبَسُ فِي الدُّرَيْهِمَاتِ الْيَسِيرَةِ قَدْرَ نِصْفِ شَهْرٍ، وَفِي الْكَثِيرِ مِنْ الْمَالِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي الْوَسَطِ مِنْهُ شَهْرَيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُجِنَ عَلَى وَجْهِ اخْتِبَارِ حَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الْحَقِّ الَّذِي يُخْتَبَرُ مِنْ أَجْلِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَيُحْبَسُ الْوَصِيُّ فِيمَا عَلَى الْأَيْتَامِ مِنْ دَيْنٍ إذَا كَانَ لَهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ، وَكَذَلِكَ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ إذَا كَانَ لَهُ بِيَدِهِ مَالٌ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَبَضَ لَهُ مَالًا، وَلَا يَعْلَمُ بَقَاءَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَيُحْبَسُ الْأَبُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَلَا يُحْبَسُ الْأَبُ فِي دَيْنِ الْوَلَدِ يُرِيدُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَطْلُبُهُ بِهِ، وَأَمَّا تَرْكُهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَضَرَرٌ يَلْحَقُ الْوَلَدَ، وَغَيْرَهُ يَطْلُبُهُ بِهِ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ فِي الدَّيْنِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ، وَيُحْبَسُ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ فِي الدَّيْنِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُقُوقَ لَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْحُرْمَةُ وَالْمَنْزِلَةُ إلَّا الْوَالِدَ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِأَجْلِ حُرْمَتِهِ وَقَرَابَتِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>