للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَضَاءُ فِي الْعُمْرَى (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعَطَاهَا أَبَدًا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ» )

ــ

[المنتقى]

وَلِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَ مَا وَهَبَ ابْنَهُ وَابْنَتَهُ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا أَنْ يَجْعَلَاهَا حُلِيًّا فَلَيْسَ لَهُ اعْتِصَارُهَا قَالَهُ مَالِكٌ وَرَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا تَغَيُّرٌ فِي الْهِبَةِ يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الِابْنُ فَاَلَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَطْءَ يَفْسَخُهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَلَمْ تَحْمِلْ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ الِاعْتِصَارُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَقَالَ يُوقَفُ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ فَإِنْ حَمَلَتْ بَطَلَ الِاعْتِصَارُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ مَا أُبِيحَ مِنْ تَمَامِ مِلْكِهِ وَيَكْمُلُ كَأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يَأْذَنُ لِشَرِيكِهِ فِي وَطْءِ الْجَارِيَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ وَطْءَ الْمُعْطِي لَا يُوجِبُ الِانْتِزَاعَ كَوَطْءِ الْعَبْدِ إذَا أَعْطَاهُ إيَّاهُ سَيِّدُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ خَلَا بِهَا الِابْنُ وَادَّعَى الْوَطْءَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ ذَلِكَ اعْتِصَارَهَا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ وَفِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَعْتَصِرَهَا مِنْ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَيَسْتَبْرِئُ إذَا غَابَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ ادَّعَى وَطْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ادِّعَاءَ الْوَطْءِ مَعَ إمْكَانِهِ بِالْخَلْوَةِ مُؤَثِّرٌ فِي الْحُكْمِ كَالزَّوْجِ يَخْلُو بِزَوْجَتِهِ وَتَدَّعِي عَلَيْهِ الْوَطْءَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: أَوْ يُكَاتِبُ الْعَبْدَ وَعَلَى هَذَا عِنْدِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعِتْقُ وَالتَّدْبِيرُ وَالِاسْتِيلَادُ وَفَوَاتُ الْعَيْنِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ وَأَمَّا مَا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ، أَوْ يُعَدُّ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ خَلْطَهُ الِابْنَ بِمِثْلِهِ فَلَا سَبِيلَ لِلْأَبِ إلَى اعْتِصَارِهِ قَالَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جَرَى مَجْرَى إتْلَافِهِ وَذَلِكَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهِ.

[الْقَضَاءُ فِي الْعُمْرَى وَفِيهِ أَبْوَاب]

[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا]

(ش) : مَعْنَى الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرَ عَقِبِهِ فَسُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَعَلُّقِهَا بِالْعُمْرِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْأَعْمَارُ هِبَةَ الْمَنَافِعِ لَا هِبَةَ الرَّقَبَةِ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي يُعْطَاهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا أُعْطَى مِنْ الْمَنَافِعِ يَكُونُ لَهُ وَلِعَقِبِهِ وَلَا تَبْطُلُ لِعَقِبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا تَرْجِعُ بِذَلِكَ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا؛ لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ فَوَجَبَ أَنْ يُنْفِذَ عَطِيَّتَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهَا مِنْ وُجُوبِ التَّوَارُثِ فِيهَا، وَإِنْ بِتَنَقُّلِ الْمَنَافِعِ إلَى عَقِبِ الْمُعْطِي بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنَافِعِ وَمُتَعَلِّقٌ بِهِ دُونَ رَقَبَةِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لَمْ يُعْطِهَا عَطَاءً وَقَعَتْ فِي الْمَوَارِيثُ وَلَا غَيْرَهُ وَلَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ:.

أَحَدُهَا فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا.

وَالْبَابُ الثَّانِي: فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّحْبِيسُ وَمَنْ يَصِحُّ عَلَيْهِ وَمَا يَصِحُّ تَحْبِيسُهُ.

وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي دُخُولِ الْعَقِبِ مَعَ الْمُعْطِي، أَوْ تَرْتِيبِهِ بَعْدَهُ.

وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي مَعْنَى الْعَقِبِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالْبَنِينَ وَالْمَوْلَى.

وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِسْمَةِ مَنَافِعِ الْعُمْرَى.

وَالْبَابُ السَّادِسُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَسَمِ فِيهَا بِالْوِلَادَةِ وَانْتِقَالِهِ بِالْمَوْتِ.

وَالْبَابُ السَّابِعُ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ بَيْعِ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ.

وَالْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَنْ تَعُودُ إلَيْهِ مَنَافِعُ الْعُمْرَى وَالْحَبْسِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُعْمَرِ وَمَنْ حَبَسَ عَلَيْهِمْ.

(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْعُمْرَى وَأَلْفَاظِهَا وَمَعْنَى الْحَبْسِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ لِذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا) إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةُ مَنَافِعِ الْمِلْكِ مُدَّةَ عُمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَعُمْرِ عَقِبِهِ فَقَدْ سُمِّيَ الْمِلْكُ عُمْرَى لِجَوَازِ أَنْ تَعَلَّقَ الْعُمْرَى بِمَنَافِعِهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ أَعْمَرَ رَجُلًا عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ رَجَعَتْ إلَى صَاحِبِهَا إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ يَوْمَ مَاتَ إنْ كَانَ مَيِّتًا.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>